التواجد اليهودي في دوار مسعدية قبيلة ترجيست
يُعتقد أن اليهود بدأوا بالهجرة إلى المغرب في القرن الثاني قبل الميلاد 200 ق م ، خلال الفترة الفينيقية والقرطاجية وهناك من يقول انهم جاؤا خلال فترة السبي البابلي
وبسبب هذه الهجرات اعتنقت الكثير من القبائل الامازيغية الدين اليهودي
وبعد الفتح الإسلامي للمغرب، تم تضمين اليهود في المجتمع الإسلامي كأهل ذمة وعاشوا أزهى فتراتهم التاريخية والدينية والثقافية والسياسية
وبعد سقوط غرناطة ونهاية الحكم الاسلامي للأندلس هاجر العديد من اليهود من إسبانيا والبرتغال إلى المغرب بعد طردهم في عام 1492.
واستقروا في عدة مناطق من المغرب ، ومن بينها المناطق الساحلية للريف وخصوصا مدينة بادس.
هذه المدينة التي كانت ذات أهمية تجارية كبيرة حيث شكلت قبلة للمبادلات التجارية مع السفن القادمة من جنوب فرنسا وإيطاليا وعرفت ازدهارا كبير دام فترة طويلة من الزمن وكان لليهود تواجد مهم بهذه المدينة .
و بعد سقوط المدينة بيد الاسبان سنة
1494 م تخربت بشكل كامل مما تسبب في هجرة سكانها وتفرقهم بين القرى والقبائل
وغادرها اليهود نحو سنادة و بني بوفراح ومسطاسة وترجيست
و تؤكد الروايات الشفهية ان اليهود الذين استقروا بقبيلة ترجيست مارسوا التجارة والحدادة و صناعة السروج ، واغلبيتهم استقروا بمنطقة الشايف دوار مسعدية .
وبعد الاحتلال الاسباني لشمال المغرب سنة 1912 وتأسيسهم لمدينة ترجيست سنة 1925 انتقل العديد من اليهود للمدينة واشتغلوا في العديد من المهن كالتجارة والحدادة وصناعة السروج(البرادع) وكذالك فتحوا العديد من المحلات التجارية لبيع المواد الغدائية وغيرها وهم من ادخلوا البوطاغاز و الغاز واللمبا والملابس العصرية لاول مرة الى المدينة والاسواق المجاورة
وعند تاسيس الكيان الصهيون (إسرائيل) سنة 1948 غادر أغلب اليهود الذين استقروا بتارجيست وطوريس وجنانات وامداوشن ومسطالسة والحسيمة وسنادة نحو فلسطين المحتلة .
ومن بقي منهم هاجر سنة 1967 بعد هزيمة العرب واحتلال إسرائيل لجزء كبير من الأراضي العربية ، وذالك جراء المضيقات التي تعرضوا لها من طرف بعض المغاربة الغاضبين بسبب هذه الهزيمة
ويقال أن آخر يهودي غادر ترجيست هو المدعو " مسعود" سنة 1973 م وكان يمارس تجارة المواد الغذائية (محل بنعلي للملابس حاليا)
ويقال أنه تعرض لهجمات بعض سكان ترجيست بعد حرب 1973 بين مصر واسرائيل.
ومن خلال هذه التوطئة يتبين لنا أن هناك مجموعتان من اليهود استقروا في المنطقة على فترات متفاوتة :
1. مجموعة من اليهود الاصليين الذين بقوا على دينهم وهؤلاء انتقل جلهم للعيش في فلسطين المحتلة بعد تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948.
2. مجموعة من اليهود الذين كانوا قد أسلموا وتركوا اليهودية واستقروا مع سكان المنطقة واندمجوا وأصبحوا جزء من النسيج المجتمعي المغربي الريفي الصنهاجي المسلم .
--------------------------------------------------
فمن خلال هذه الكرونولوجيا وهذا السرد التاريخي المختصر , سنسلط الضوء على بعض الإشارات والمعطيات التي تؤرخ للتواجد اليهودي في دوار مسعدية بقبيلة ترجيست .
فبالرجوع الى طوپونيميا القرية فإن العديد من الأماكن لا تزال تحمل ألقابا وأسماءً ذات أصول يهودية وذالك بحسب الرواية الشفهية لسكان القرية ونذكر منها :
1️⃣قبور ليهود : هذه التسمية تطلق على مكان يعتقد أنه مقبرة لليهود يقع بين دوار مسعدية و أيت عيسى
2️⃣ الحيابرة : تسمية لمكان يوجد أسفل مقبرة اليهود ويعتقد أنه لقب سميت به المنطقة نسبة لأحبار اليهود.
1. فإما أنهم كانوا يستقرون هناك
2. أو أنهم اكانوا يمارسون عبادتهم وطقوسهم الدينية هناك
3. أو أنهم دفنوا في ذالك فأطلق هذا الأسم عليه.
3️⃣الدْرَازْ : هذه التسمية تطلق على مكان كان مخصص للدراز وغزل الصوف والحياكة
ويقال أن يهودي كان يعمل دراز هناك فسميت المنطقة عليه
4️⃣زولّيظ : هذه التسمية تطلق على مكان آخر كان يتواجد به اليهود .
هناك من يقول أن زوليظ لقب كان يطلق على شخص يهودي
وهناك من يقول أن زوليظ كلمة أمازيغية معناها المكان المنبسط
وهناك من يقول انها تطلق على أحد أعضاء الجسد
وهذا المكان الذي سكنه واستقرت فيه أسرة الساطبي وأقزاب (إقزابن) وديلاق
5️⃣عين بن عبو : هي بئر حفارها يهودي اسمه بن عبو وكان يشرب منها اليهود والمسلمين وسميت البئر باسمه.
وهناك قول آخر هو أن هذه العين كان يسكن بقربها رجل يهودي إسمه بن عبو فسميت العين والمنطقة بإسمه
وقد اندثرت هذه البئر ولم يبقى الا آثارها
وهذ التسمية (جماعة عين بن عبو) كانت تطلق على جماعة سيدي بوتميم قبل التعديل الاداري سنة 1992 .
6️⃣تْلاَيَحْيا أو عين تلا يحيا : هي تسمية تطلق على مكان قرب المستوصف الحالي في مسعدية.
ويقال أنه كان يتواجد بها عين ماء وكانت هذه الارض خاصة باليهود وهي بالقرب من مقبرة اليهود .
وهذه الأرض اشترها منذ مدة ليست بالبعيدة الحاج يحيى المزرياحي وتسمى تلايحيا .
وقد بحثت عن معنى كلمة "تلا" بالعبرية "תלה" (تلاه) أو "תלא" (تلا) فوجدت أن تعني :
1. صعود أو تسلق.
2. تعليق
3. تأخير أو إرجاء.
الأمثلة
1. "תלה על ההר" - تسلق الجبل.
2. "תלא את התמונה" - تعليق الصورة.
3. "תלא את ההחלטה" - تأخير القرار.
الكتابة العبرية
- "תלה" (تلاه) - تلا (المصدر).
- "תלא" (تلا) - تلا (الفعل).
- "תלי" (تلي) - تلي (المصدر الماضي).
وقد بحثت كذالك عن كلمة (تلايحيا) فوجدت أن له معنى في العبرية
فهو مصطلح مركب من كلمتين تلا ويحيا و يعني "إلى الأعلى" أو "أعلى"، ويستخدم في سياقات مختلفة:
في الديانة اليهودية
1. تلايحيا رابا : تعني "أعلى وأعلى"، وتستخدم لوصف الله.
2. تلايحيا ليه : تعني "أعلى لك" وتستخدم للتمني بالخير .
في السياقات الأخرى
1. تلايحيا (مصطلح عسكري): يستخدم لوصف التحرك إلى الأعلى أو التقدم.
2. تلايحيا (مصطلح رياضي): يستخدم لوصف التقدم أو الفوز .
وتنطق هذه الكلمة بالعبرية (تلآيخا)
فمن خلال هذه المعطيات قد نخلص الى تفسير تقريبي لهذه التسمية (تلايحيا) هو المكان العالي او المرتفع الذي يسكنه يحيى.
وكلمة ( تلآ ) هي قريبة للكلمة العربية التل هو المكان المرتفع من الارض.
⬅️ ومن الأدلة كذالك على التواجد اليهودي في منطقة مسعدية سيدي بوتميم ، هي ألقاب بعض العائلات ذات الأصول اليهودية التي لا تزال تستقر هناك .
فبحسب الرواية الشفهية فإن هذه الأسر حاليا هي مسلمة لا شك في اسلامها ولكن أصولها يهودية، اسلم أجدادهم منذ زمن بعيد واستقروا في هذه المنطقة.
ويقال أن أول من استقر في مسعدية هي هذه الأسر ذات الاصول اليهودية ثم تبعتها الاسر ذات الاصول الصنهاجية والادريسية والسوسية.
ويرجع تواجد هذه الاسر في مسعدية الى قرنين تقريبا أي حوالي سنة 1850
ويقال أنهم جاؤوا من قصبة سنادة بقبيلة بني يطفت.
و قبل قدوم هذه الفرقة إلى مسعدية كان اليهود بصفة عامة يمتهنون التجارة والحرف اليدوية كصناعة الخزف والسروج والقبعات وأحذية القش (العزف).
وكانوا يأتون لسوق الاربعاء أو سوق السبت من أجل التجارة وعرض بضائعهم و تقديم خدماتهم والتسوق كذالك من منتوجات المنطقة .
ثم بعد ذالك انتقل جزء منهم للاستقرار في قبيلة ترجيست وخصوصا منطقة مسعدية سيدي بوتميم .
وبعد انشاء الاسبان لمدينة ترجيست انتقل عدد كبير من اليهود للاستقرار في المدينة.
ومن الأسر التي تستقر في منطقة مسعدية سيدي بوتميم والتي يعتقد أن أصولها يهودية الاسرة المزرياحية وتنقسم لعدة فروع :
1. فرع المزرياحي - امزرياحن
2. فرع بنموسى
3. فرع الورغي
4. فرع الكتيوت
5. فرع حمدوش
6. فرع زروق
7. فرع الدريسي
فلا يعرف على وجه التحديد ما هي الفترة الزمنية التي انقلت فيه هذه المجموعة الى مسعدية ولا الاسباب التي دفعتهم لاعتناق الاسلام ، ولا يعرف هل جاؤوا من قصبة سنادة معتنقين للاسلام أم أنهم أسلاموا خلال تواجدهم بالمنطقة، فالمعلومات في هذا الصدد شحيحة ولكننا سنعتمد على الرواية الشفاهية لسكان المنطقة.
فيقال أنه جاء احد الاجداد ومعه 20 ولدا، ويقال انه جاء مجموعة من الاخوة وأبناء العم، ومنهم من يقول أنهم جاؤوا على شكل مجموعات ومنهم من يقول أنهم جاؤوا دفعة واحدة ومن أهم هذه الاسر وأشهرها :
1. عائلة المزرياحي أو المزرياحيين .
فيقال أن الاخوة المزرياحيين الذين انتقلوا من قصبة سنادة إلى مسعدية سيدي بوتميم هم :
الحاج يحيى المزرياحي
الحاج عمرشة المزرياحي
سي حدوش المزرياحي
دحمان .....
پَّانة pana
عبد الرزاق
فْضّْل (شيخ مخزني زمن عبد الكريم الخطابي)
محمد العياشي (الراس)
تعمارت بن موسى
حْشِيّْل الورغي
فارس
لقد هاجروا على شكل مجموعات واستقروا أول الامر في المنطقة ما بين القليع والدراز ، قرب دار الصايل
و جعلوا مساكنهم متقاربة وجعلوها مفتوحه بعضها على بعض كما هي عادة اليهود في بناء مساكنهم ولم يبقى من هذه المساكن اليوم إلا الاطلال.
وحاليا هناك من لا يزال يستقر في مسعدية وهناك من هاجر الى مدن اخرى مثل ترجيست و طنجة و الحسيمة وتطوان
وقد وجدت قرية تسمى إزرياحن جنوب قصبة سنادة وقد تواصلت مع احد الاساتذة الذين كانوا يدرسون في مدرسة القرية وأخبارني أن أطفال وسكان قرية ازرياحن مبغوضين من طرف سكان القرى المجاورة كقرية بني شيكر وتيغالين ويتهمونهم بالسرقة وبالقيام بأفعال لا أخلاقية وقد سبق لهم وأن سرقوا المدرسة.
ومن الالقاب التي يتخذوها سكان القرية أولاد عمر و أكردوع وجدي.
واذا كان اسم القرية إزرياحن فمن المحتمل أن يسمى المنتسب إليها المزرياحي .
وعند بحثي عن معنى كلمة مزرياحي وجدت في اللغة العبرية كلمة قريبة لهذه الكلمة وهي مزراحي أو مزراحيم .
ومزراحي كلمة عبرية تعني اليهود الشرقيين او الشرقي مزراحيم
وبحسب ما جاء في المكتبه اليهودية jewish virtual library تحت فصل قصه التاريخ القديم لليهود تحت باب (يهود الشرق الاوسط)، فان كلمة مزراحيم او مزراحي تطلق على اليهود المغاربيين الذين كانوا يعيشون في شمال افريقيا
وذكروا كذلك ان المزراحيم هم اليهود الذين لم يغادروا الشرق الاوسط وشمال افريقيا منذ بداية الشعب اليهودي قبل 4000 سنه
............
2.لقب بن عبو :
اسم يطلق على مكان كانت به بئر ماء حفرها رجل يهودي إسمه بن عبو
وعبو واسم بربري مختصر لكلمه عبد الله ويتوافق في العبرية مع الاسم التوراتي عباديا ويعني عبد الله او خادم الله.
وهناك عائلة يهودية مشهورة في الجزائر وتحمل نفس لقب بن عبوا ولكنهم هاجروا الى فلسطين المحتلة سنو 1817 واستقروا في منطقة صفد .
أسباب اعتناق اليهود للاسلام في المغرب وخصوصا منطقة الريف :
الشدة التي كان يعاملهم بها كثير من القبائل المسلمة بسبب عقيدتهم وبسبب مكرهم وغدرهم وحبهم للمال وكرههم للإسلام وتعرضهم للسب والشتم والاحتقار من طرف الصغار والكبار خصوصا من طرف قبائل الريف.
التمييز الذي كانوا يعاملون به.
كتمييزهم بلباس يخالف لباس المسلمين
يفرض عليهم مخاطبة المسلم باحترام وتذلل فينادي المسلم بسيدي والمسلمة بلالة مع الخضوع والانحناء.
واذا مروا أمام مسجد فيجب عليهم ازالة نعالهم والمشي محنيي الظهر مع الهرولة والسرعة.
مع عدم السماح لهم بتملك الاراضي والمنازل فكان يسمح لهم فقط بالكراء
الجزية التي كان يأخذها منهم السلاطين.
كل هذه الاسباب دفعت بالكثير منهم باعتناق الإسلام والاختباء خلفه والذي كان يضمن لهم الحقوق كغيرهم من المسلمين، ولعلهم ومع مرور الزمن واختلاطهم بالمسلمين استقروا على الإسلام وحسن اسلامهم واعتنقه الاحفاد من بعدهم.
هذا كل ما توصلت اليه من معلومات حول هذا الموضوع عبر التواصل مع مجموعة من سكان القرية والمهتمين بتاريخ المنطقة.
وهذا الموضوع حساس جدا ويحتاج بحثا كثيرا ومعمقا فارجوا من سكان المنطقة أن يفيدونا في هذا الموضوع وأن يصححوا لنا إن كان هناك خطأ أو تحريف.
والله الموفق والمستعان