السبت، 9 يوليو 2016



 إرشاد الحائرين
إلى الهدي النبوي
 في معاملة السلاطين







هذه الرسالة تحوي مجموعة من الأحاديث النبوية والآثار السلفية
التي تبين الطريقة الشرعية في معاملة الحكام





جمع وترتيب وتبويب الفقير إلى عفو ربه
أبو ياسر محمد بن قاسم العرائشي

















المبحث الأول


وجوب لزوم الجماعة












بسم الله الرحمن الرحيم

باب : ما جاء في الحث على لزوم الجماعة


1-- عن حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ رضي الله عنه قال :
كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فنحن فيه ، فهل بعد هذا الخير من شر كما كان قبلهَ نحْذَرُهُ ؟
قَالَ : نعم فِتْنَةٌ وَشَرٌّ.
وفي رواية : قَالَ : يَا حُذَيْفَةُ، اقرأ كتاب الله ، وَاتبع ما فِيهِ خَيْرًا لَكَ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فأعدت عليه ثلاث مرات، يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ خَيْرًا اتَّبَعْتُهُ وَإِنْ كَانَ شَرًّا اجْتَنَبْتُهُ.
وفي رواية : قلت : فما العصمة منه ؟  
قال : السيف .
قال : قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الشر من خير؟   
قال : نعم، وفيه تكون إمارة على أقذاء، وهدنة على دخن .  [وفي رواية جماعة على أقذاء.....]
قلت : وما دخنه ؟   
قال : لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه.
وفي رواية : قال : يكون بعدي أئمة يستنون بغير سنتي و يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين، في جثمان إنس .
قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟  
قال : نعم، فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.
قلت : يا رسول الله صفهم لنا.  
قال : هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا.
قلت : يا رسول الله فما تأمرني إن أدركني ذلك؟
قال : تلتزم جماعة المسلمين وإمامهم .
وفي رواية : قال : تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع .
قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟  
قال : فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك .
وفي رواية :
فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة ، فالزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة فاهرب في الأرض حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة .
وفي رواية :
فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم .
قلت : ثم ماذا؟  
قال : ثم يخرج الدجال .
قلت : فما بعد الدجال ؟  
قال : عيسى ابن مريم .
قلت : ثم ماذا ؟  
قال : لو أنتجت فرسا لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة .

============================


-- قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه :  هذا الحديث صحيح الإسناد رواه البخاري و مسلم و أحمد و أصحاب السنن وغيرهم بألفاظ مختلفة وقد جمع الشيخ الألباني ألفاظها من روايات مختلفة وضمها في حديث واحد.  ثم أضفت عليها بعض الزيادات و حذفت أخرى لكي يسهل على القارئ العادي قراءتها وفهمها ولكن دون الإخلال بمعناها.

 ----------------------------------------------------



قال شيخ الإسلام بن تيمية (المتوفى: 728هـ): الْخَيْرُ الْأَوَّلُ النُّبُوَّةَ وَخِلَافَةَ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا فِتْنَةَ فِيهَا، وَكَانَ الشَّرُّ مَا حَصَلَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَتَفَرُّقِ النَّاسِ، حَتَّى صَارَ حَالُهُمْ شَبِيهًا بِحَالِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَالْخَيْرُ الثَّانِي اجْتِمَاعُ النَّاسِ لَمَّا اصْطَلَحَ الْحَسَنُ وَمُعَاوِيَةُ، لَكِنْ كَانَ صُلْحًا عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةً عَلَى أَقْذَاءٍ، فَكَانَ فِي النُّفُوسِ مَا فِيهَا،....وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُومُ أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، وَبِقِيَامِ رِجَالٍ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ الْإِنْسِ، وَأَمَرَ مَعَ هَذَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَتَبَيَّنَ  أَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي يُطَاعُ هُوَ مَنْ [كَانَ] لَهُ سُلْطَانٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَادِلًا أَوْ ظَالِمًا. (كتاب منهاج السنة)

وقال الحافظ ابن حجر (المتوفى: 852هـ): قَوْلُهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ يُشِيرُ إِلَى مَا كَانَ قَبْلِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْكُفْرِ وَقَتْلِ بَعْضِهُمْ بَعْضًا وَنَهْبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَإِتْيَانِ الْفَوَاحِشَ قَوْلُهُ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ يَعْنِي الْإِيمَانَ وَالْأَمْنَ وَصَلَاحَ الْحَالِ وَاجْتِنَابَ الْفَوَاحِشِ
قَوْلُهُ (فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ) َالْمُرَادُ بِالشَّرِّ مَا يَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ مِنْ بَعْدِ قَتْلِ عُثْمَانَ وَهَلُمَّ جَرًّا أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ عُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ
قَوْلُهُ (قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ) وَهُوَ الْحِقْدُ وَقِيلَ الدَّغَلُ وَقِيلَ فَسَادٌ فِي الْقَلْبِ وَمَعْنَى الثَّلَاثَةِ مُتَقَارِبٌ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ الشَّرِّ لَا يَكُونُ خَيْرًا خَالِصًا بَلْ فِيهِ كَدَرٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالدَّخَنِ الدُّخَانُ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَدَرِ الْحَالِ وَقِيلَ الدَّخَنُ كُلُّ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ قَوْمٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا يَصْفُو بَعْضُهَا لِبَعْضٍ.
قَوْلُهُ (تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ) يَعْنِي مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
قَوْلُهُ (دُعَاةٌ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ دَاعٍ أَيْ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ قَوْلُهُ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ حَالُهُمْ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ أَمَرَ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ وَقَفَ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ
قَوْلُهُ (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا) أَيْ مِنْ قَوْمِنَا وَمِنْ أَهْلِ لِسَانِنَا وَمِلَّتِنَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الظَّاهِرِ عَلَى ملتنا وَفِي الْبَاطِن مخالفون
قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالشَّرِّ الْأَوَّلُ الْفِتَنُ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ عُثْمَانَ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الَّذِي بَعْدَهُ مَا وَقَعَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ الْأُمَرَاءُ بَعْدَهُ فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالسُّنَّةِ وَالْعَدْلِ وَفِيهِمْ مَنْ يَدْعُو إِلَى الْبِدْعَةِ وَيَعْمَلُ بِالْجَوْرِ قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرِّ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِتَنِ الْأُولَى وَبِالْخَيْرِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَبِالدَّخَنِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ كَزِيَادٍ بِالْعِرَاقِ وَخِلَافِ مَنْ خَالَفَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَبِالدُّعَاةِ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ الْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ يَعْنِي وَلَوْ جَارَ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي الْأَسْوَدِ وَلَوْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي إِمَارَةِ الْحَجَّاجِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ أَيْ أَمِيرَهُمْ.

وقال ابن الملقن الشافعي (المتوفى: 804هـ) : حديث حذيفة - رضي الله عنه - علم من أعلام نبوته، وذلك أنه - عليه السلام - أخبر حذيفة بأمور مختلفة من الغيب لا يعلمها إلا من أوحي إليه بذلك من أنبيائه الذين هم صفوة خلقه.

وقال الشيخ عبد السلام بن برجس ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أطوارا زمنية تمر بها أمته منها ما هو خير محض و منها ما هو خير ليس خالصا بل فيه كدر ومنها ما هو شر. وقد أرشد صلى الله عليه و سلم إلى المسلك الشرعي الذي يجب أن  يسير عليه في تلك الأطوار.
فالطور الأول زمن الخير و هو زمانه صلى الله عليه و سلم.
ثم يعقب هذا الطور زمن أخر و هو زمن الشر.
ثم يمر بالأمة طور ثالث وهو زمن الخير في الجملة حيث أن الخير الذي فيه يشوبه كدر.
ثم الطور الرابع و هو زمن الشر الذي فيه دعاة على أبوب جهنم .
وهذا الطور يستدعي اهتمام هذا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان أكثر من غيره من الأمور فيسأل عن صفة أولئك الدعاة على أبواب جهنم ليعرفهم هو وغيره فيحذروا.
ثم سأل حذيفة رضي الله عنه صاحب الشرع الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى عن المسلك الشرعي الذي يجب أن يسلكه في هذا الطور فيجيب صلى الله عليه و سلم (تلزم جماعة المسلمين و إمامهم).
وهنا عند هذه الإجابة الجليلة تنقطع كل حجة و يبطل كل هوى و تصفد كل عاطفة.
فالسمع و الطاعة في غير معصية للأئمة و إن جاروا . هذا ما دل عليه هذا الحديث فقد نطق بوجوب لزوم جماعة المسلمين و إمامهم في هذا الطور.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله : هذا حديث عظيم الشأن من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ونصحه لأمته، ما أحوج المسلمين إليه للخلاص من الفرقة والحزبية التي فرقت جمعهم، وشتت شملهم، وأذهبت شوكتهم، فكان ذلك من أسباب تمكن العدو منهم، مصداق قوله
تبارك وتعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). السلسلة الصحيحة )2739). انتهى

--------------------------------------------------------------------------------

-- قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الشر الأول الذي يصيب الأمة تكون العصمة منه باستعمال السيف وكان قتادة يضعُهُ على الردة التي كانت في زمن أبي بكر، وأما الطور الذي فيه أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته ،والطور الذي فيه دعاة على أبواب جهنم، فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بالسيف ولم يخبر أن العصمة منه تكون بالسيف بل أطلعه الله في علم الغيب عنده أن العصمة منه تكون بلزوم الجماعة والإمام على ما هم عليه من الشر، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال : فاعتزل تلك الفرق كلها،حتى يدركك الموت وأنت على ذالك ، وكان قادرا على أن يأمر بالسيف أو أن يخبر أن العصمة منه تكون بالسيف كما في الشر الأول ولكنه لم يفعل تحذيرا لأمته من الفتن و المصائب التي تترتب على ذالك .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَتِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جثمان إنس)

وقال الملا علي القاري: وقوله ("يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ ") ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْعِلْمِ (" وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ") ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْعَمَلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وقوله (قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جثمان إنس):أَيْ  كَقُلُوبِهِمْ فِي الظُّلْمَةِ، وَالْقَسَاوَةِ، و َالْوَسْوَسَةِ، وَالتَّلْبِيسِ وَالْآرَاءِ الْكَاسِدَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْفَاسِدَةِ.

وقال الإمام النووي رحمه الله: قوله: (يهدون بغير هديي) الهدي الهيئة، والسيرة، والطريقة.

وقَالَ الطِّيبِيُّ: معنى قوله تعرف منهم و تنكر أَيْ: تَعْرِفُ فِيهِمُ الْخَيْرَ فَتَقْبَلُ وَالشَّرَّ فَتُنْكِرُ.

-- قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : ولاشك أن الذي لا يستن بسنة النبي ولا يهتدي بهديه  في مسألة واحد أوفي مسائل عدة يكون مخلفا لأمر الله حاكما بغير ما أنزل الله ، ومع ذالك لم يكفره النبي صلى الله عليه و سلم و لم يأمر بالخروج عليهم
وقوله صلى الله عليه وسلم (وسيقوم فيهم رجال) يحتمل معاني :
المعنى الأول أن هؤلاء الرجال يقومون إلى هؤلاء الأئمة فيزينون لهم ما هم عليه من الباطل ويدعون الناس إليه ، كبطانة السوء وعلماء الضلالة.
والمعنى الثاني أن هؤلاء الرجال سيقومون إلى هؤلاء الأئمة فيخرجون عليهم بالسلاح لمقاتلتهم على الحكم كما يفعل الخوارج والروافض .
والمعنى الثالث أنه سيقوم من هؤلاء الأئمة من يتصف بهذه الصفات التي ذكرت في الحديث .
و كل هذه الأصناف الثلاث على ضلال و باطل .

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع)

قال الشوكاني في نيل الأوطار: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَإِنْ بَلَغُوا فِي الْعَسْفِ وَالْجَوْرِ إلَى ضَرْبِ الرَّعِيَّةِ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}

وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين : واعلم أنك سوف تقتص يوم القيامة من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئات من ظلمهم، ثم طرح عليه ثم طرح في النار والعياذ بالله. فالأمر مضبوط ومحكم لا يضيع على الله شيء.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها)

قال الإمام النووي: قَالَ الْعُلَمَاءُ هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُمَرَاءِ يَدْعُو إِلَى بِدْعَةٍ أَوْ ضَلَالٍ آخَرَ كَالْخَوَارِجِ والقرامطة وَأَصْحَابِ الْمِحْنَةِ.

قال الطيبي (المتوفى 743هـ): دعاة على أبواب جهنم أي جماعة يدعون الناس إلى الضلالة، ويصدونهم عن الهدى بأنواع من التلبيس لإدخالهم إياه في جهنم دخولهم فيها، وجعل كل نوع من أنواع التلبيس بمنزلة باب من أبواب جهنم . كتاب الكاشف عن حقائق السنن.

وقال الملا علي القاري في المرقاة : قِيلَ: الْمُرَادُ بِالدُّعَاةِ مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ، وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ شُرُوطُ الْإِمَارَةِ وَالْإِمَامَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَجُعِلُوا دُعَاةً عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] ، وَقِيلَ: هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13 - 14] ، فَكَأَنَّهُمْ كَائِنُونَ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، دَاعِينَ النَّاسَ إِلَى الدُّخُولِ فِي ضِيَافَتِهِمْ ; أَوْ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ بِسَبَبِ شَيْءٍ، فَكَأَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِ دَاخِلٌ فِيهِ.
وقوله (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا) ، أَيْ : مِنْ أَنْفُسِنَا وَعَشِيرَتِنَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا، ذَكَرَهُ الْأَشْرَفُ، وَهُوَ الْأَلْطَفُ، وَقِيلَ: مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِنَا، (وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا) أَيْ: بِالْعَرَبِيَّةِ، أَوْ بِالْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمِ، أَوْ بِمَا قَالَ اللَّهُ وَقَالَ رَسُولُهُ، وَمَا فِي قُلُوبِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ، يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.

وقال الشيخ بن باز في كتابه نقد القومية العربية : فهذا الحديث العظيم الجليل يرشدك أيها المسلم إلى أن هؤلاء الدعاة اليوم, الذين يدعون إلى أنواع من الباطل كالقومية العربية, والاشتراكية والرأسمالية الغاشمة, وإلى الخلاعة والحرية المطلقة وأنواع الفساد كلهم دعاة على أبواب جهنم, سواء علموا أم لم يعلموا, من أجابهم إلى باطلهم قذفوه في جهنم, ولا شك أن هذا الحديث الجليل من أعلام النبوة, ودلائل صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بالواقع قبل وقوعه فوقع كما أخبر . انتهى

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ) وهو الشاهد من هذا الحديث

قال الطبرى: اختلف أهل العلم في معنى أمر النبي بلزوم الجماعة ونهيه عن الفرقة، وصفة الجماعة التي أمر بلزومها،
1. فقال بعضهم: هو أمر إيجاب وفرض، والجماعة التي أمرهم بلزومها: السواد الأعظم، وقالوا: كل ما كان عليه السواد الأعظم من أهل الإسلام من أمر دينهم فهو الحق الواجب والفرض الثابت، الذي لا يجوز لأحدٍ من المسلمين خلافه، وسواء خالفهم في حكم من الأحكام أو خالفهم في إمامهم القيم بأمرهم وسلطانهم، فهو للحق مخالف.
2. وقال آخرون: الجماعة التي أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بلزومها هي جماعة أئمة العلماء، وذلك أن الله جعلهم حجةً على خلقه، وإليهم تفزع العامة في دينها، وهى تبع لها، وهم المعنيون بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة)
3. وقال آخرون: الجماعة التي أمر رسول الله بلزومها: هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين بعد مضيّه (صلى الله عليه وسلم) ، حتى أقاموا عماده وأرسوا أوتاده ، وردوه، وقد كاد المنافقون أن ينزعوا أواخيه ويقلبوه من أواسيه إلى نصابه وسلكوا في الدعاء منهاجه، فأولئك الذين ضمن الله لنبيّه أن لا يجمعهم على ضلالة.
4. وقال آخرون: الجماعة التي أمر رسول الله بلزومها: جماعة أهل الإسلام ما كانوا مجتمعين على أمر واجب على أهل الملل إتباعها، فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا بمجتمعين، ووجب تعرف وجه الصّواب فيما اختلفوا فيه.

ثم قال الطبرى : والصواب في ذلك أنه أمر منه (صلى الله عليه وسلم) بلزوم إمام جماعة المسلمين ونهى عن فراقهم فيما هم عليه مجتمعون من تأميرهم إياه فمن خرج من ذلك فقد نكث بيعته ونقض عهده بعد وجوبه.(ابن بطال في شرحه لصحيح البخارى)

قال الشيخ بن برجس : ذكر بن العربي المالكي أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير الجماعة  يحتمل معنيين :
أحدهما : أن الأمة إذا اجتمعت على قول فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولا أخر.
والثاني : إذا اجتمعوا على إمام فلا تحل منازعته و لا خلعه  وهذا ليس على العموم بل لو عقده بعضهم لجاز ولم يحل لأحد أن يعارض.
والقول الثاني هو ما رجحه المباركفوري في تحفة الأحوذي.

وقَال ابن بطال المالكي (المتوفى: 449هـ):  والحديث فِيهِ حُجَّةٌ لِجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّائِفَةَ الْأَخِيرَةَ بِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمْ تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِينَ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ كَذَلِكَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ وَأَمَرَ مَعَ ذَلِكَ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ . (فتح الباري 13 / 35، 36، القاهرة، المكتبة السلفية 1373هـ. وحاشية ابن عابدين 3 / 311.)

وقال النووي: وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ هَذَا لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ وَوُجُوبُ طَاعَتِهِ وَإِنْ فَسَقَ وَعَمِلَ الْمَعَاصِيَ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَدْ وَقَعَتْ كُلُّهَا. (شرح النووي على مسلم)

وقال ابن الملقن الشافعي (المتوفى: 804هـ) : وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك القيام على أئمة الحق، ألا ترى أنه - عليه السلام - وصف (أئمة) أزمان الشر فقال: "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها" فوصفهم بالجور والباطل والخلاف لسنته؛ لأنهم لا يكونون دعاة على أبواب جهنم إلا وهم على ضلال، ولم يقل: فيهم من تعرف منهم وتنكر، كما قال في الأولين، وأمر مع ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم .

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ) قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى  ذَلِكَ ».1

قال ابن بطال المالكي في شرحه لصحيح البخارى : فإذا لم يكن لهم إمام فافترق أهل الإسلام أحزابًا فواجب اعتزال تلك الفرق كلها على ما أمر به النبي (صلى الله عليه وسلم) أبا ذرّ ولو أن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت، فذلك خير له من الدخول بين طائفة لا إمام لها خشية ما يئول من عاقبة ذلك من فساد الأحوال باختلاف الأهواء وتشتت الآراء.

وقال الحافظ ابن حجر ناقل عن الطبري: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا، فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر.
وَقَوْلُهُ  (حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) أَيِ الْعَضُّ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَطَاعَةِ سَلَاطِينِهِمْ وقال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان وعضّ أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقّة.

وقال ابن هُبَيْرَة (المتوفى:560هـ) في الإفصاح عن معاني الصحاح  وقوله: (ولو أن تعض بأصل شجرة) يعني أن تصبر في ذلك على الجوع.
وفيه أيضًا أن المؤمن إذا بلي بذلك في وقت أمير جائر من ضرب ظهره وأخذ ماله فإنه لا يخرج عليه ولا يحاربه بل يسمع ويطيع فإنه بخروجه يزيد الفتن شرًا.

========================================
1.قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة (فاعتزل تلك الفرق كلها) تحذيرا له و لغيره من أمته من الوقوع في الفتن المشاركة فيها سواء أكان ذالك بالكلمة أو الكتابة أو القتال، فلم يأمره صلى الله عليه وسلم بإصلاح هذه الأوضاع  بالمشاركة السياسية ولا بإنشاء الأحزاب والجماعات والتعصب لها ولم يأمر بالمشاركة في الانتخابات ولا بدخول في البرلمانات ولا بالخروج في المظاهرات ولا بالقيام بالثورات ولا بالاغتيالات ولا بالعمليات الانتحارية ولا بالخروج بالسلاح و لكن أمر بلزوم الجماعة والإمام فإن لم يكن لا جماعة ولا إمام أمر باعتزال الفتن وعدم المشاركة فيها والسعي إليها لما يترتب على ذالك من سفك الدماء وغياب الأمن وانتهاك الأعراض وتخريب الممتلكات وقطع الطريق وتجويع المسلمين و تعطل المصالح . انتهى
ومعنى قوله : فما بعد الدجال ؟  قال : عيسى ابن مريم.

قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : إذا جمعنا بين هذا الحديث و بين حديث : تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ, ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ , ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا , ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً, ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ " تبين أن هذه الخلافة التي على منهاج النبوة هي التي تكون زمن المهدي وعيسى بن مريم لأن الرسول صلى الله عليه وسلام أخبر في حديث حذيفة أن الشر سيضل قائما في الأرض إلى زمن الدجال ثم بعده ينزل عيسى فيقتل الدجال ويحكم بشريعة الله و تخرج الأرض بركتها و يعيش الناس في رغد من العيش ثم بعد هذا تقوم الساعة.
فكل من ادعى في زمننا هذا أن خلافته على منهاج النبوة أو أنه هو أو حزبه أو جماعته من سيقيم خلافة على منهاج النبوة فهو مخالف لما جاءت هذه الأحاديث.
ولكن هذا لا يعني أن لا يأخذ المسلمون بالأسباب التي تساعد على إقامة خلافة على منهاج النبوة و ذالك بتعلم منهاج النبوة أولا والعمل به ثانيا ثم الدعوة إليه ونشره بين الناس ثم الصبر على الأذى فيه , وأما الدعوة إلى إقامة خلافة النبوة من غير تعلم وتعليم علم النبوة فهذا خلاف لسنن الله الكونية والشرعية . انتهى

2-- وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي خُطْبَتِهِ بمسجد الخيف مِنْ مِنًى في حجة الوداع): نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ ليس بفَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ :
ثَلَاثٌ لَا يغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ . السلسلة الصحيحة  برقم  403 و الزيادة بين قوسين صححها الشيخ ناصر في الترغيب والترهيب .

قال الخطابي : (نضر الله امرأ)  دعا له بالنضارة وهي النعمة يقال نضر ونضر من النضارة وهي في الأصل حسن الوجه والبريق وأراد حسن قدره والمراد ألبسه الله النضرة وهي الحسن وخلوص اللون أي جمله وزينه وأوصله الله إلى نضرة الجنة أي نعيمها ونضارتها قال ابن عيينة ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة لهذا الحديث. حاشية السندي على سنن ابن ماجه
وقال البغوي (المتوفى: 516هـ) في شرح السنة قَوْلُهُ : «لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ» بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الْغَيْنِ مِنَ الْغِلِّ، وَهُوَ الضِّغْنُ وَالْحِقْدُ، يُرِيدُ: لَا يَدْخُلُهُ حِقْدٌ يُزِيلُهُ عَنِ الْحَقِّ.
وقَالَ الطيبي في الكاشف : المعنى أن هذه الخلال تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الدغل والفساد.
وقال ابن عبد البر المالكي في التمهيد: فَأَمَّا قَوْلُهُ ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ فَمَعْنَاهُ لَا يَكُونُ الْقَلْبُ عَلَيْهِنَّ وَمَعَهُنَّ غَلِيلًا أَبَدًا يَعْنِي لَا يَقْوَى فِيهِ مَرَضٌ وَلَا نِفَاقٌ إِذَا أَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ وَلَزِمَ الْجَمَاعَةَ وَنَاصَحَ أُولِي الْأَمْرِ وقال في الاستذكار : أَيْ لَا يَكُونُ الْقَلْبُ الْمُعْتَقِدُ لَهُنَّ غَلِيلًا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى وَقَوْلُهُ " لَا يُغِلُّ  أَيْ لَا يَحْقِدُ عَلَيْهِنَّ. فَلَا يُبْغِضُ هَذِهِ الْخِصَالَ قَلْبُ الْمُسْلِمِ بَلْ يُحِبُّهُنَّ وَيَرْضَاهُنَّ.
وقال الملا علي القاري في المرقاة قوله (وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ) أَيْ: مُوَافَقَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ) أَيْ: تَدُورُ (مِنْ وَرَائِهِمْ) : وَالْمَعْنَى أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ فَتَحْرُسُهُمْ عَنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَعَنِ الضَّلَالَةِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ لَمْ يَنَلْ بَرَكَتَهُمْ وَبَرَكَةَ دُعَائِهِمْ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا أَحَاطَتْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْخُلْطَةِ عَلَى الْعُزْلَةِ.
وقال ابنُ الأثير في "النهاية": قوله (فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ) «أي: تحوطهم وتكنفهم وتحفظهم؛ يريد أهلَ السنةِ دون أهل البدعة » .

قال شيخ الإسلام بن تيمية فَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ؛ إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ وَتَجْمَعُ الْحُقُوقَ الَّتِي لِلَّهِ وَلِعِبَادِهِ، وَتَنْتَظِمُ مَصَالِحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ قِسْمَانِ: حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِعِبَادِهِ، فَحَقُّ اللَّهِ أَنْ نَعْبُدَهُ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، كَمَا جَاءَ لَفْظُهُ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ؛ وَهَذَا مَعْنَى إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ. وَحُقُوقُ الْعِبَادِ قِسْمَانِ: خَاصٌّ وَعَامٌّ؛ أَمَّا الْخَاصُّ فَمِثْلُ بِرِّ كُلِّ إنْسَانٍ وَالِدَيْهِ، وَحَقِّ زَوْجَتِهِ وَجَارِهِ؛ فَهَذِهِ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يَخْلُو عَنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ مَصْلَحَتَهَا خَاصَّةٌ فَرْدِيَّةٌ. وَأَمَّا الْحُقُوقُ الْعَامَّةُ فَالنَّاسُ نَوْعَانِ: رُعَاةٌ وَرَعِيَّةٌ؛ فَحُقُوقُ الرُّعَاةِ مُنَاصَحَتُهُمْ؛ وَحُقُوقُ الرَّعِيَّةِ لُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُمْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ؛ بَلْ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فِي اجْتِمَاعِهِمْ وَاعْتِصَامِهِمْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا؛ فَهَذِهِ الْخِصَالُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ .مجموع الفتاوى

قال الإمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة : وَقَوله ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُسلم إِلَى آخِره أي لا يحمل الغل وَلَا يبْقى فِيهِ مَعَ هَذِه الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا تنفى الغل والغش وَهُوَ فَسَاد الْقلب وسخايمه فالمخلص لله إخلاصه يمْنَع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملَة لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إِلَى مرضاة ربه فَلم يبْق فِيهِ مَوضِع للغل والغش كَمَا قَالَ تَعَالَى (كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من عبادنَا المخلصين)  فَلَمَّا اخلص لرَبه صرف عَنهُ دواعي السوء والفحشاء فَانْصَرف عَنهُ السوء والفحشاء وَلِهَذَا لما علم إبليس انه لَا سَبِيل لَهُ على أهل الإخلاص استثناهم من شرطته الَّتِي اشترطها للغواية والإهلاك فَقَالَ (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين)  قَالَ تَعَالَى (إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين)  فالإخلاص هُوَ سَبِيل الْخَلَاص وَالْإِسْلَام هُوَ مركب السَّلامَة والإيمان خَاتم الأمان
وَقَوله ومناصحة أئمة الْمُسلمين هَذَا أيضا منَاف للغل والغش فَإِن النَّصِيحَة لَا تجامع الغل إِذْ هِيَ ضِدّه فَمن نصح الأئمة والأمة فقد برِئ من الغل
 وَقَوله وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ هَذَا أيضا مِمَّا يطهر الْقلب من الغل والغش فَإِن صَاحبه للزومه جمَاعَة الْمُسلمين يحب لَهُم مَا يحب لنَفسِهِ وَيكرهُ لَهُم مَا يكره لَهَا ويسوؤه مَا يسؤوهم ويسره مَا يسرهم وَهَذَا بِخِلَاف من انحاز عَنْهُم واشتغل بالطعن عَلَيْهِم وَالْعَيْب والذم لَهُم كَفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وَغَيرهم فَإِن قُلُوبهم ممتلئة نحلا وغشا وَلِهَذَا تَجِد الرافضة ابعد النَّاس من الإخلاص أغشهم للائمة والأمة وأشدهم بعدا عَن جمَاعَة الْمُسلمين فَهَؤُلَاءِ اشد النَّاس غلا وغشا بِشَهَادَة الرَّسُول والأمة عَلَيْهِم وشهادتهم على أنفسهم بذلك فإنهم لا يكونون قطّ إلا أعوانا وظهرا على أهل الإسلام فأي عَدو قَامَ للْمُسلمين كَانُوا أعوان ذَلِك الْعَدو وبطانته وَهَذَا أمر قد شاهدته الأمة مِنْهُم وَمن لم يُشَاهد فقد سمع مِنْهُ مَا يصم الأذان ويشجي الْقُلُوب. وَقَوله فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم هَذَا من أحسن الْكَلَام وأوجزه وأفخمه معنى شبه دَعْوَة الْمُسلمين بالسور والسياج الْمُحِيط بهم الْمَانِع من دُخُول عدوهم عَلَيْهِم فَتلك الدعْوَة الَّتِي هِيَ دَعْوَة الإسلام وهم داخلونها لما كَانَت سورا وسياجا عَلَيْهِم اخبر أن من لزم جمَاعَة الْمُسلمين أحاطت بِهِ تِلْكَ الدعْوَة الَّتِي هِيَ دَعْوَة الإسلام كَمَا أحاطت بهم فالدعوة تجمع شَمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بهَا فَمن دخل فِي جماعتها أحاطت بِهِ وشملته. انتهى

3-- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : «لَنْ تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ». (صحيح الجامع (1848)  وفي رواية عنه : (إنّ الله تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي على ضَلالَةٍ (.

4-- وعَنْ بَشِيرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: شَيَّعْنَا  ابْا مَسْعُودٍ  رضي الله عنه - حِينَ خَرَجَ (أي لما  خرج من الكوفة إلى المدينة وقد كان واليا لعلي عليها فعزله عنها  ), (فنزل في طريق القادسية فدخل بستانًا، فقضى الحاجة ثم توضأ ومسح على جوربيه، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء) ، فَقُلْنَا لَهُ: اعْهَدْ إلَيْنَا , فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي الْفِتَنِ , وَلَا نَدْرِي هَلْ نَلْقَاك أَمْ لَا , فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ, وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ,فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ. مصنف ابن أبي شيبة وصححه الألباني في ظلال الجنة

5-- وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ،  وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، وعَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، ومَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، ومَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ». (صحيح بن حبان الألباني 7210 . صحيح سنن الترمذي2165)

قال المباركفورى(المتوفى: 1353هـ)  في تحفة الأحوذي : قَوْلُهُ (خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ) خُطْبَةُ عُمَرَ هَذِهِ مَشْهُورَةٌ خَطَبَهَا بِالْجَابِيَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ (فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) أَيِ التابعين (ثم الذين يلونهم) أي أتباع للتابعين (ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ) أَيْ يَظْهَرُ وَيَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ نَكِيرٍ (حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ) أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَلِفُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى اللَّهِ (وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ الْمُرَادُ بِهِ شَهَادَةُ الزُّورِ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) أَيْ أَجْنَبِيَّةٍ (إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ) الْمَعْنَى يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يلقيهما في الزنى.
(وعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ) أَيِ الْمُنْتَظِمَةِ بِنَصْبِ الْإِمَامَةِ (وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ) أَيِ احْذَرُوا مُفَارَقَتَهَا مَا أَمْكَنَ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ) أَيِ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ الْأَمِيرِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ (وَهُوَ) أَيِ الشَّيْطَانُ (مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ) أَيْ بَعِيدٌ. انتهى

6-- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ومن أراد بحبحة الجنة فعليه بالجماعة . (صححه الألباني في ظلال الجنة – 88)

7-- وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا حَارِثُ بْنَ قَيْسٍ أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ تَسْكُنَ وَسَطَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَالْزَمْ جَمَاعَةَ النَّاسِ. (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَوقال الهيثمي في مجمع الزوائد رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. 9127)

8-- وعن سلمان الفارسي قَالَ: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم البَرَكَةُ فِي ثَلاَثَةٍ : فِي الجَمَاعَةِ والثَّرِيدِ والسُّحُورِ.
( صحيحه الألباني في صحيح الجامع رقم: 2882 و الصحيحة 1045.)


9-- وقال الْأَوْزَاعِيِّ : كَانَ يُقَالُ خَمْسٌ كَانَ عَلَيْهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ : لُزُومُ الْجَمَاعَةِ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ الْآثَارُ الْمَرْفُوعَةُ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ وَشَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَالْخِلَافَ عَلَى السُّلْطَانِ المجتمع عليه يريق الدَّمَ وَيُبِيحُهُ وَيُوجِبُ قِتَالَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. (التمهيد لابن عبد البر المالكي)


فصل:في الحث على صلاة الجماعة مع الولاة وإن كانوا يؤخرونها عن وقتها وأن ذالك من لزوم الجماعة

10-- وعن أبى ذر قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وضرب فخذي كَيْفَ أَنْتُمْ؟ أَوْ قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ وفي رواية إذا كانت عليك أمراء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ أو يميتون الصلاة عن وقتها ؟ قلت فما تأمرني؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، ثم اذهب لحاجتك فإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وأنت في المسجد فَصَلِّ مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ.
وفي رواية قال : فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة. ( صحيح مسلم)

11 -- وفي رواية عنه، قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ، وَأَنْ أُصَلِّيَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَ الْقَوْمَ وَقَدْ صَلَّوْا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ، وَإِلَّا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً . ( صحيح مسلم)

12-- عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَخَّرَ ابْنُ زِيَادٍ الصَّلَاةَ، فَأَتَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ كُرْسِيًّا، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ صُنْعَ ابْنِ زِيَادٍ فَعَضَّ عَلَى شَفَتَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِي، وَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ كَمَا سَأَلَتْنِي، فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْتُ فَخِذَكَ وَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كَمَا سَأَلَتْنِي، فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْتُ فَخِذَكَ، وَقَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ مَعَهُمْ، فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ : إِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي .
وفي رواية قال صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً ٍ . ( صحيح مسلم)

13-- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَعَلَّكُمْ سَتُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُمْ، فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ لَلْوَقْتِ الَّذِي تَعْرِفُونَ، ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ، وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً . (صحيح الجامع 5086)

14-- وعن عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها فقال رجل يا رسول الله أصلي معهم قال نعم إن شئت. (صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود 433)

15-- وعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ فَهِيَ لَكُمْ وَهِيَ عَلَيْهِمْ، فَصَلُّوا مَعَهُمْ مَا صَلَّوُا الْقِبْلَةَ. (صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود434)

قال الطيبي: أي إذا صليتم أول وقتها ثم صليتم معهم تكون منفعة صلاتكم لكم، ومضرة الصلاة و وبالها عليهم لما أخروها (فصلوا معهم) أي مع الأمراء. (ما صلوا القبلة) أي ماداموا مصلين متوجهين إلى القبلة، وهي الكعبة الحرام، يعني ما داموا مسلمين صلوا معهم الصلاة وإن أخروها عن أوقاتها.

وقال المباركفوري (المتوفى: 1414هـ) : (يؤخرون الصلاة) أي عن وقتها. (فهي لكم وهي عليهم) أي الصلاة المؤخرة عن الوقت نافعة لكم؛ لأن تأخيركم للضرورة تبعاً لهم ومضرة عليهم؛ لأنهم يقدرون على عدم التأخير وإنما شغلهم أمور الدنيا عن أمر العقبى.

16-- وعَنِ الزِّبْرِقَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِشَقِيقٍ: إِنَّ الْحَجَّاجَ يُجِيبُ الْجُمُعَةَ، قَالَ: «تَكَتَّمَ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: صَلِّهَا فِي بَيْتِكَ لِوَقْتِهَا، وَلَا تَدَعِ الْجَمَاعَةَ. مصنف بن أبي شيبة

17-- وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْيَمَنَ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا (مِنَ السَّحَرِ، رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ)1 ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ مَعَ الْفَجْرِ رَجُلٌ أَجَشُّ الصَّوْتِ، قَالَ: فَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّتِي فَمَا فَارَقْتُهُ حَتَّى دَفَنْتُهُ بِالشَّامِ مَيِّتًا، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى أَفْقَهِ النَّاسِ بَعْدَهُ فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَلَزِمْتُهُ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَتَتْ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا»، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا وَاجْعَلْ صَلَاتَكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً» والسبحة : ما يصليه المرء نافلة من الصلوات. 1(مسند أحمد 22020) (صحيح أبي داود 432.459) (صحيح ابن حبان الألباني1481.1479) 

قال القاضي عياض (المتوفى: 544هـ) في إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم : وقوله: " يكون  بعدى أمراء يميتون الصلاة ": أي يصلونها بعد خروج وقتها فكانت كالميت الذي تخرج روحه، وأمره - عليه السلام - أبا ذرٍّ بالصلاة لوقتها، ثم الصلاة معهم، احتياط لوقت الصلاة ومراعاة لفضل الألفة ولزوم الجماعات، وترك الخلاف، وافتراق الكلمة؛ لأن أمر الأئمة هو الذي يجمعها ويفرقها.

وقال النووي : المراد بتأخيرها عن وقتها المختار لأنهم لم يكونوا يؤخرونها عن جميع وقتها. وفي الحديث الحث علي الصلاة في أول الوقت، وفيه أن الإمام إذا أخرها عن أول وقتها يستحب للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفرداً ثم يصليها مع الإمام، فيجتمع له فضيلة أول الوقت وفضيلة الجماعة، فلو اقتصر علي أحد هذين الأمرين هل له ذلك أم لا؟ فيه خلاف، والمختار الانتظار إن لم يفحش التأخير. وفيه الحث علي موافقة الأمراء في غير معصية؛ لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفتنة، وفي الحديث أيضاً دليل علي صدق النبوة، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر به وقد وقع في زمن بني أمية.

وقال بن رجب في فتح الباري : وقد كان الصحابة يأمرون بذلك ويفعلونه عند ظهور تأخير بني أمية للصلاة عن أوقاتها، وكذلك أعيان التابعين ومن بعدهم من أئمة العلماء : قال [أحمد] وإسحاق: إنما يصلي في بيته ثم يأتي المسجد إذا صلى الأئمة في غير الوقت - : نقله عنهما ابن منصور.ومرادهما: إذا صلوا بعد خروج الوقت، فإن تأخير الصلاة عن وقتها عمداً في غير حال يجوز فيها الجمع لا يجوز إلا في صور قليلة مختلف فيها، فأما إن أخروا الصلاة عن أوائل وقتها الفاضلة، فإنه يصلي معهم ويقتصر على ذلك.

وقال بن عبد البر في التمهيد : وَإِنَّمَا حَمَلَ الْعُلَمَاءُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَهُمْ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَحَضُّهُ عَلَى لُزُومِ الْجَمَاعَةِ.




==============================================


-- قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : ومما يستدل من هذه الأحاديث أن طاعة الولاة واجبة و إن كانوا يعملون بالمعاصي و كبائر الذنوب لأنه لا شك في أن تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر هو من كبائر الذنوب لقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)
قال ابن عباس وسعد بن أبي وقاص ومسروق وغيرهم: يؤخرونها عن وقتها.
وهؤلاء الحكام وإن كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكفرهم ولم يأمر بالخروج عليهم ولا بمخالفتهم ولكن أمر بطاعتهم والصلاة معهم بنية النافلة لأن لا تكون مخالفتهم سبب في تفريق الكلمة و مفارقة الجماعة. انتهى .


باب: ما جاء في الأمر بإكرام الإمام العادل والتحذير من إهانته

18-- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الأَرْضِ فَمَنْ أَكْرَمَهُ أَكْرَمَه اللَّهَ وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ الله . حديث حسن.صحيح الجامع و الصحيحة والظلال

19-- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ أَوْ خَرَجَ غَازِيًا أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ يُرِيدُ تعزيزه وَتَوْقِيرَهُ أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ مِنَ الناس .الظلال

20-- عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ  اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ .صحيح الأدب المفرد صحيح سنن أبي داود و صحيح المشكاة صحيح الترغيب

21-- قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا مَشَى قَوْمٌ إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ فِي الأَرْضِ لِيُذِلُّوهُ، إِلا أَذَلَّهُمُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا. الكتاب: الجامع (منشور كملحق بمصنف عبد الرزاق)
المؤلف: معمر بن أبي عمرو راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن (المتوفى: 153هـ)

بَابُ: ما جاء في وُجُوبِ السمع والطَاعَةِ للإمام

قال اللَّهِ تَعَالَى : {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]

قال الإمام النووي : قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ هَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ.

وقال الحافظ ابن حجر : فِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي الْعُلَمَاءِ وَقَدْ رَجَّحَ ذَلِكَ أَيْضًا الطَّبَرِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِك وَقَالَ بن عُيَيْنَةَ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ عَنْهَا وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ مِثْلُهُ فَقَالَ اقْرَأْ مَا قَبْلَهَا تَعْرِفْ فَقَرَأْتُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تحكموا بِالْعَدْلِ الْآيَةَ فَقَالَ هَذِهِ فِي الْوُلَاةِ وَالنُّكْتَةُ فِي إِعَادَةِ الْعَامِلِ فِي الرَّسُولِ دُونَ أُولِي الْأَمْرِ مَعَ أَنَّ الْمُطَاعَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ هُمَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَكَأَنَّ التَّقْدِيرَ أَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا نَصَّ عَلَيْكُمْ فِي الْقُرْآنِ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فِيمَا بَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَا يَنُصُّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ السُّنَّةِ أَوِ الْمَعْنَى أَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ الْمُتَعَبَّدِ بِتِلَاوَتِهِ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فِيمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي لَيْسَ بِقُرْآنٍ.

وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين : وأولو الأمر يشمل العلماء والأمراء، لأن العلماء ولاة أمورنا في بيان دين الله، والأمراء ولاة أمرنا في تنفيذ شريعة الله ولا يستقيم العلماء إلا بالأمراء، ولا الأمراء إلا بالعلماء. فالأمراء عليهم أن يرجعوا إلى العلماء ليستبينوا منهم شريعة الله. والعلماء عليهم أن ينصحوا الأمراء، وأن يخوفوهم بالله، وأن يعظوهم حتى يطبقوا شريعة الله في عباد الله عز وجل.
ولم يقل أطيعوا أولي الأمر منكم؛ لأن طاعة ولاة الأمر تابعة لا مستقلة، أما طاعة الله ورسوله فهي مستقلة، ولهذا أعاد فيها الفعل فقال: أطيعوا وأطيعوا، أما طاعة ولاة الأمور فإنها تابعة ليست مستقلة.
وعلى هذا فإذا أمر ولاة الأمور بمعصية الله؛ فإنه لا سمع لهم ولا طاعة؛ لأن ولاة الأمور فوقهم ولي الأمر الأعلى جل وعلا وهو الله، فإذا أمروا بمخالفته فلا سمع لهم ولا طاعة.

وقال الشيخ الراجحي في شرح سنن أبي داود : ولم يقل وأطيعوا أولي الأمر، فكرر الفعل في طاعة الرسول ولم يكرره في ولاة الأمور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، فلا يأمر إلا بما هو من طاعة لله، بخلاف الأمراء وغيرهم فإنهم قد يأمرون بمعصية فلا يطاعون فيها. انتهى

22-- وعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِىُّ وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ قَالاَ أَتَيْنَا أَبَا نَجِيحٍ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ- رضي الله عنه -  فَسَلَّمْنَا وَقُلْنَا أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ فَقَالَ الْعِرْبَاضُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ صلاة الصبح ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حَبَشِيّاً مُجَدَّعاً فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَ عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار). (السلسلة الصحيحة (937 و 3007) وصحيح الترغيب والترهيب وظلال الجنة (26 ـ 34).وصحيح ابن حبان (5) و صحيح الجامع (رقم2549).مع بعض التصرف .


قال الطيبي في الكاشف في شرح قوله : (والسمع والطاعة) أي أوصيكم بقبول قول الأمير وطاعته, وبما أمركم به ولو كان أدنى خلق, وهذا وارد على سبيل المبالغة لا التحقيق, كما جاء: (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة) يعني لا تستنكفوا عن طاعة من ولى عليكم ولو كان عبدا حبشيا, إذ لو استنكفتم عنه لأدى إلى إثارة الحروب, وتهيج الفتن, وظهور الفساد في الأرض, فعليكم بالصبر والمداراة حتى يأتي أمر الله.

وقال بن دقيق العيد في شرح الأربعين النووية في شرح قوله : (وإن تأمر عليكم عبد) : قال بعض العلماء: العبد لا يكون والياًَ ولكن ضرب به المثل على التقدير وإن لم يكن، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير أهله حتى توضع الولاية في العبيد فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا تغليباً لأهون الضررين وهو الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته لئلا يفضي إلى فتنة عظيمة.

وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم :وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمِنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا» . هَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَقَعَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَهُ مِنْ كَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، وَفِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ افْتِرَاقِ أُمَّتِهِ عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ مَنْ كَانَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَأَصْحَابُهُ، وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمْرٌ عِنْدَ الِافْتِرَاقِ وَالِاخْتِلَافِ بِالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَالسُّنَّةُ: هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ التَّمَسُّكَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الْكَامِلَةُ،
وَفِي أَمَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ عُمُومًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُتَّبَعَةٌ، كَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ.
وقوله إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة فِيهِ تَحْذِيرٌ لِلْأُمَّةِ مِنَ إتباع الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ . انتهى

23-- وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهََ. (متفق عليه)  

24-- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ:عَلَيْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ.(صحيح مسلم  (1836)

25-- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. قَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، وَآتِ الزَّكَاةَ، وَصُمْ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ، وَاعْتَمِرْ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ، وَعَلَيْكَ بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِيَّاكَ وَالسِّرَّ»(جود إسناده الشيخ الألباني في ظلال الجنة 1070).

26-- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنهُ قَالَ : "آمُرُكُمْ بِثَلاَثٍ، وأَنْهَاكُمْ عَنْ ثَلاثٍ: آمُرُكُمْ أنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَتَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، وَتُطِيعُوا لِمَنْ وَلاَّهُ الله عَلَيْكُمْ أَمْرَكُمْ. وأَنْهَاكُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ". (السلسلة الصحيحة 685)

27-- وعنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: (إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ). (صحيح مسلم)

28-- وعَنِ أَبَي أُمَامَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ عِنْدَ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ: أَنِ احْشُدُوا لِلصَّلَاةِ غَدَا، فَإِنَّ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةً. فَقَالَتْ رُفْقَةٌ مِنْهُمْ: يَا فُلَانُ دَوِّنْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَأَنْتَ الَّذِي تَلِيهَا لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، قَالَ: «هَلْ حَشَدْتُمْ كَمَا أَمَرْتُكُمْ؟» قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «اعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَهَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟ هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟ هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟» قَالُوا: نَعَمْ . قَالَ: «أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟ هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟ هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟ هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟ هَلْ عَقِلْتُمْ هَذِهِ؟» قَالُوا: نَعَمْ فَكُنَّا نَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا كَثِيرًا، ثُمَّ نَظَرَ فِي كَلَامِهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَمَعَ لَهُ الْأَمْرَ كُلَّهُ.
(أخرجه الطبراني في المعجم الكبير , وفي مسند الشاميين , قال الهيثمي في مجمع الزوائد في اسناده إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وضعفه النسائي وأبو داود , قال أبو إبراهيم يحسن حديثه , يعني نظر إلى أنه قد وثق في موضوعه هذا وثقه ).

29-- وعَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَا مِلَاكُ هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ وَهِيَ الْفِطْرَةُ وَالصَّلَاةُ وَهِيَ الْمِلَّةُ وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ . (كتاب الفتن للداني)

30-- وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، إِنِّي لَا أَدْرِي، لَعَلِّي لَا أَلْقَاكَ بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، وَإِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَرَادَ أَمْرًا يُنْقِصُ دِينَكَ، فَقُلْ: سَمْعًا وَطَاعَةً، دَمِي دُونَ دِينِي، وَلَا تُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ.  رواه البيهقي في قتال أهل البغي و أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 7/737) وأبو بكر الخلال في السنة ( 54) من طريق وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى به  وأخرجه ابن زنجوية في الأموال ( 30 ) والداني في الفتن ( 146) والآجري في الشريعة (71 – 72 ) من طرق عن إبراهيم بن عبد الأعلى به   وسندُه صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ . صحيح رجاله ثقاتٌ، متصل الإسناد، ثابت السماع. سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين

31-- وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَأْخُذَانِ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَقُولَانِ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُصَلِّي الصَّلَاةَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ لِوَقْتِهَا، فَإنَّ فِي تَفْرِيطِهَا الْهَلَكَةُ، وَتُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِكَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُكَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِمَنْ وَلَّى اللَّهُ الْأَمْرَ. [الجامع - معمر بن راشد20683]

فصل في ذكر عقيدة السلف في ولاة الأمور

-- عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَرْضِ [الْعِرَاقِ]، أَرَادَ أَنْ يَلْقَى ابْنَ عُمَرَ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ فِي أَرْضٍ لَهُ، فَأَتَاهُ لِيُوَدِّعَهُ، فَقَالَ لَهُ : إِنِّي أُرِيدُ الْعِرَاقَ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فَقِيلَ لِي: تَوَاضَعْ، فَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا.
وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نَخْرُجُ. قَالَ: فَأَبَى،فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ وَبَكَى فَوَدَّعَهُ وَقَالَ: أَسَتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ مَقْتُولٍ .رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُ الْبَزَّارِ ثِقَاتٌ.

-- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَنِي حُسَيْنٌ فِي الْخُرُوجِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يُزْرِيَ ذَلِكَ بِي أَوْ بِكَ لَشَبَّكْتُ بِيَدَيَّ فِي رَأْسِكَ، فَكَانَ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ أَنْ قَالَ: لَأَنْ أُقْتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُسْتَحَلَّ بِي حَرَمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَذَلِكَ الَّذِي سَلَّى بِنَفْسِي عَنْهُ. المعجم الكبير للطبراني. وقال الهيثمي 9/ 192: رجاله رجال الصحيح.والأمالي في آثار الصحابة للحافظ الصنعاني (المتوفى: 211هـ)

-- وعَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: لَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ بِمَكَّةَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , «بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ الْعِرَاقَ؟» قَالَ: أَجَلْ , قَالَ: «فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنَّهُمْ قَتَلَةُ أَبِيكَ , الطَّاعِنُونَ فِي بَطْنِ أَخِيكَ , وَإِنْ أَتَيْتَهُمْ قَتَلُوكَ»

-- وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: (لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ  جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - حَشَمَهُ  وَوَلَدَهُ , فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:  لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ  يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْصَبُ لَهُ بِغَدْرَتِهِ عِنْدَ اسْتِهِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ مِنْ غَدْرَةِ أَمِيرِ عَامَّةٍ وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ , ثُمَّ يَنْصِبُ لَهُ الْقِتَالَ فلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ , وَلَا يُشْرِفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ , وَلَا تَابَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ , إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ  فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ . صحيح  البخاري

-- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ زَمَنُ الحَرَّةِ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى المَوْتِ، فَقَالَ: لاَ أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.1

قال الحافظ بن حجر وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي اِنْعَقَدَتْ لَهُ الْبَيْعَة , وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ , وَلَوْ جَارَ فِي حُكْمِه , وَأَنَّهُ لَا يَنْخَلِعُ بِالْفِسْقِ.

-- عَنْ نَافِعِ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ، حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْن مُعَاويَةَ. فَقَالَ: اطْرَحُوا لأَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَادَةً. فَقَالَ: إِنَّى لمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لأُحَدَّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ خَلعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لقِىَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ لهُ. وَمَنْ مَاتَ وَليْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً. صحيح مسلم

قال القاضي عياض: وفى مؤاخذة ابن عمر على ابن مطيع القيام على يزيد بن معاوية وخلعه، ما تقدم من منع القيام على أئمة الجور.

=======================================

1.وكان السبب في هذه القصة التي تعرف بوقعة الحرة أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَهِدَ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ إِلَّا الْحُسَيْنَ بن عَليّ وبن الزبير وَأَمَّا بن عُمَرَ فَبَايَعَ لِيَزِيدَ عَقِبَ مَوْتِ أَبِيهِ وَأَمَّا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ لِاسْتِدْعَائِهِمْ إِيَّاهُ لِيُبَايِعُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ قَتْلِهِ وَأَمَّا بن الزُّبَيْرِ فَاعْتَصَمَ وَيُسَمَّى عَائِذَ الْبَيْتِ وَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ مَكَّةَ.
فَكَانَ آخِرَ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ اجْتَمَعُوا عَلَى خَلْعِ يَزِيدَ مِنَ الْخِلَافَةِ فثاروا على عامل يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان ابن عم يزيد وأخرجوه من المدينة وخلعوا بيعة يزيد لما رأو من عدم أحقيته بالخلافة ولما نشر عنه من فسقه وظلمه وشربه للخمر وبسبب قتل واليه على العراق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ للحسين بن علي ومن كان معه من أهل بيته عندما رفض مبايعته وخرج للكوفة لما استدعاه أهلها لمبايعته بالخلافة.
فلما بلغ يزيد أن أهل المدينة خلعوا بيعته جهّز لأهل المدينة جيشًا مع مسلم بن عقبة المرّي وكان عسكر يزيد سبعة وعشرين ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل وأمره أن يدعوهم ثلاثًا فإن رجعوا وإلا فيقاتلهم وإنه إذا ظهر يبيح المدينة للجيش ثلاثًا ثم يكف عنهم.  فتوجه إليهم فوصل في ذي الحجة سنة ثلاث وستين فحاربوه وَكَانَ الْأَمِيرُ عَلَى الْأَنْصَارِ عَبْدُ الله بْن حَنْظَلَة غسيل الملائكة , وَعَلَى قُرَيْش: عَبْدُ الله بْن مُطِيع , وَعَلَى غَيْرهمْ مِنْ الْقَبَائِل: مَعْقِل بْن يَسَار الْأَشْجَعِيُّ وكانوا قد اتخذوا خندقًا وانهزم أهل المدينة وقتل حنظلة، وَفَرَّ ابْنُ مُطِيع، وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثًا فقتل جماعة من بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبعمائة، فَقَتَلَ جَمَاعَةً صَبْرًا، مِنْهُمْ مَعْقِل بْن سِنَان , وَمُحَمَّد بْن أَبِي الْجَهْم بْن حُذَيْفَة , وَيَزِيد بْن عَبْد الله بْن زَمْعَةَ , وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقتل بها جماعة من حملة القرآن، وجالت الخيل في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُهِبَتِ الْمَدِينَةُ الشَّرِيفَةُ وعطلت الصلاة والأذان في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الأيام.وبايع الباقين كرهًا على أنهم عبيد ليزيد. يَحْكُمُ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهمْ وَأَهْلِهِمْ بِمَا شَاءَ.

-- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالاَ: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ «يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي» فَقَالاَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39]، فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ.

-- قَالَ ابْنِ سِيرِينَ، رحمه الله (المتوفى: 110هـ )  : كَانُوا )أي السلف الصالح ) يَكْرَهُونَ قِتَالَ الْأُمَرَاءِ ". الفتن الداني

--قال الإمام الشافعي (المتوفى: 204هـ) : كل من غلب على الخلافة بالسيف، حتى يسمى خليفة، ويجمع الناس عليه، فهو خليفة.ورواه البيهقي في "مناقب الشافعي" عن حرملة.

-- وقال الثورى رحمه الله (المتوفى: 161هـ) : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد ماض إلى يوم القيامة والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللاكائى جـ1

--وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله (المتوفى: 181هـ) :  أدركت الناس بمكة والمدينة والكوفة والبصرة وبمصر وخراسان، فأدركتهم مجتمعين على السنة والجماعة،.. وصلى العيدين وعرفات والجماعات، مع كل إمام بر أو فاجر.

--وقال حرب الكرماني رحمه الله في عقيدته التي نقلها عن جميع السلف والانقياد لمن والاه الله عز وجل أمركم لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيف حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للسنة للجماعة وأن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فان أبتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف لسانك ويدك وهواك والله المعين. نقلها ابن القيم في حادي الأرواح ص 104

--وقال الإمام على بن المدينى (المتوفي :234هـ) : ومن نقل عنه ممن أدركه من جماعة السلف: ثم السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين البر والفاجر ومن ولى الخلافة بإجماع الناس ورضاهم لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الأخر أن يبيت ليلة إلا وعليه إمام براً كان أو فاجراً فهو أمير المؤمنين والغزو مع الأمراء ماض إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك ... ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأى وجه كانت برضى كانت أو بغلبة فهو شاق هذا الخارج عليه العصا وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية . ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه بأحد من الناس فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللاكائى جـ1 ص169)

-- وقال الإمام أحمد بن حنبل (المتوفي:241هـ) :"والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به ومن عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين والغزو ماض مع الإمام إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة من دفعها إليهم أجزأت عنه برا كان أو فاجرا وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة باقية تامة ركعتين من أعادهما فهو مبتدع". وَمن خرج على إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقد كَانُوا اجْتَمعُواعَلَيْهِ وأقروا بالخلافة بِأَيّ وَجه كَانَ بِالرِّضَا أَو الْغَلَبَة فقد شقّ هَذَا الْخَارِج عَصا الْمُسلمين وَخَالف الْآثَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن مَاتَ الْخَارِج عَلَيْهِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة.
وقال في موضع أخر. لا يحل قتال السلطان و لا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذالك فهو مبتدع على غير السنة و الطريق . كتاب أصول السنة

-- وعن أَبَي الْحَارِثِ ْ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمْرٍ كَانَ حَدَثَ بِبَغْدَادَ، وَهَمَّ قَوْمٌ بِالْخُرُوجِ، فَقُلْتُ: " يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي الْخُرُوجِ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، الدِّمَاءَ، الدِّمَاءَ، لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ، الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الْأَمْوَالُ، وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ، أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ، قُلْتُ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ، أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ  يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ، فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ، فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، الصَّبْرَ عَلَى هَذَا، وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ، وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ: الدِّمَاءَ، لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ ". السنة الخلال 89 –

-- وال أَبُي بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أحمد بن حنبل «يَأْمُرُ بِكَفِّ الدِّمَاءِ، وَيُنْكِرُ الْخُرُوجَ إِنْكَارًا شَدِيدًا» السنة الخلال

-- وعن عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْبَلًا يَقُولُ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ: اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ، وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ، فَجَاءُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا الْأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ، وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً، وَقَالَ لَهُمْ: «عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ  وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ، انْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» ، وَدَارَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ أَحْفَظْهُ وَمَضَوْا، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَمَا مَضَوْا، فَقَالَ أَبِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَمَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، وَقَالَ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا عِنْدَكَ صَوَابٌ، قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِالصَّبِرِ "، ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ. . . وَإِنْ فَاصْبِرْ» ، فَأَمَرَ بِالصَّبِرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَذَكَرَ كَلَامًا لَمْ أَحْفَظُهْ "  السنة الخلال90 

-- وقال الإمام البخاري (المتوفى : 256 هـ) هـ  ناقلا عقيدة أئمة السلف رضوان الله عليهم: لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن ، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة ، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد بالحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان ، منهم المكي بن إبراهيم ، ويحيى بن يحيى ، وعلي بن الحسن بن شقيق ، وقتيبة بن سعيد ، وشهاب بن معمر ، وبالشام محمد بن يوسف الفريابي ، وأبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر ، وأبا المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، وأبا اليمان الحكم بن نافع ، ومن بعدهم عدة كثيرة ، وبمصر : يحيى بن كثير ، وأبا صالح كاتب الليث بن سعد ، وسعيد بن أبي مريم ، وأصبغ بن الفرج ، ونعيم بن حماد ، وبمكة عبد الله بن يزيد المقرئ ، والحميدي ، وسليمان بن حرب قاضي مكة ، وأحمد بن محمد الأزرقي ، وبالمدينة إسماعيل بن أبي أويس ، ومطرف بن عبد الله ، وعبد الله بن نافع الزبيري ، وأحمد بن أبي بكر أبا مصعب الزهري ، وإبراهيم بن حمزة الزبيري ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وبالبصرة أبا عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني ، وأبا الوليد هشام بن عبد الملك ، والحجاج بن المنهال ، وعلي بن عبد الله بن جعفر المديني . وبالكوفة أبا نعيم الفضل بن دكين ، وعبيد الله بن موسى ، وأحمد بن يونس ، وقبيصة بن عقبة ، وابن نمير ، وعبد الله وعثمان ابنا أبي شيبة . وببغداد أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبا معمر ، وأبا خيثمة ، وأبا عبيد القاسم بن سلام ، ومن أهل الجزيرة : عمرو بن خالد الحراني ، وبواسط عمرو بن عون ، وعاصم بن علي بن عاصم ، وبمرو صدقة بن الفضل ، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي . واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصرا وأن لا يطول ذلك ، فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء فذكر أمورا منها: أن الدين قول وعمل. أن القرآن كلام الله غير مخلوق. ولم يكونوا يكفرون أحداً من أهل القبلة بالذنب لقوله تعالى: ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، وطاعة ولاة الأمر ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)، ثم أكد في قوله : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.  (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللاكائى جـ1 ص 172-176)

--. وقال الإمام المزني (المتوفى: 264هـ) والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله عز وجل مرضيًا، واجتناب ما كان عند الله مسخطًا، وتركُ الخروج عند تعدِّيهم وجَوْرهم، والتوبةُ إلى الله عز وجل كيما يعطف بهم على رعيّتهم). (شرح السنة للإمام المزني، ص:86-87)  

--. وقال الإمام أبوجعفر الطحاوي الحنفي (المتوفى : 321هـ) : ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمرنا، وإن جاروا. ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والعافية.) وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أهل القبلة وعلى من مات منهم
 وَلَا نُنْزِلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً  وَلَا نَارًا ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك وَلَا بِنِفَاقٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلا من وجب عليه السيف
وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وإن جاروا ولا ندعوا عَلَيْهِمْ وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَةً  مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ والمعافاة. العقيدة الطحاوية.

--. وقال أَبِو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ(المتوفى: 324هـ): وَ نَرَى الدُّعَاءَ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاحِ، وَالْإِقْرَارَ بِإِمَامَتِهِمْ وَتَضْلِيلَ مَنْ رَأَى الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ  إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ تَرْكُ الِاسْتِقَامَةِ، وَنَدِينُ بِتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ وَتَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ. (اجتماع الجيوش الإسلامية ابن القيم )وقال: وأجمعوا عَلَى السمع والطاعة لأئمة المسلمين من بَرٍّ وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أوعدل .(رسالة إلى أهل الثغر (ص296:)

-- وقال أبو بكر الجورجاني (المتوفى 371 هجرية) في اعتقاد أئمة الحديث: و يرون الجهاد معهم وان كانوا جورة و يرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف الى العدل و لا يرون الخروج بالسيف عليهم ولا قتال الفتنة .
--. وقال الإمام البربهاري (المتوفى سنة 329 هـ) شرح السنة : والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى.ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماما، برا كان أو فاجرا.ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية.ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جاروا، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «اصبر، وإن كان عبدا حبشيا» .وقوله للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على [الحوض] » .
وليس من السنة قتال السلطان؛ فإن فيه فساد الدين والدنيا. ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أنفسهم أموالهم وأهاليهم، وليس له إذا فارقوه أن يطلبهم، ولا [يجهز] على جريحهم ولا يأخذ فيئهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يتبع مدبرهم.ولا نخرج أحدا من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله، أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، فإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة.
وإذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك، وفر من جوار الفتنة، وإياك والعصبية، وكل ما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا فهو فتنة، فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها، ولا تقاتل فيها، ولا تهو، ولا تشايع، ولا تمايل، ولا تحب شيئا من أمورهم، فإنه يقال: من أحب فعال قوم - خيرا كان أو شرا - كان كمن عمله. وفقنا الله وإياكم لمرضاته، وجنبنا وإياكم معصيته.
واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: [الجماعة و] الجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشارك فيه، فلك نيتك. وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها الا في السلطان.
قيل له : يا أبا علي فسر لنا هذا. قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد. فأمرنا أن ندعو لهم [بالصلاح] ، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا، وإن جاروا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين.

-- وقال ابن أبي زمنين المالكي رحمه الله
(المتوفى: 399هـ): فالسمع والطاعة لولاة الأمر واجب مهما قصَّروا في ذاتهم، فلم يبلغوا الواجب عليهم، غير أنهم يدعون إلى الحق ويأمرون به ويذبون عنه، فعليهم ما حملوا، وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة لهم. (أصول السنة ص980 )

-- . وقال أبو زرعة رحمه الله: ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل أسرارهم إلى الله عز وجل ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان ، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة ونتبع السنة والجماعة . (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللاكائى جـ1)

--. وقال سهل بن عبدالله التُّستري رحمه الله وقد قيل له: متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟
قال:(إذا عرف من نفسه عشر خصال : لا يترك الجماعة ، ولا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخرج على هذه الأمة بالسيف ، ولا يكذب بالقدر ، ولا يشك في الإيمان ، ولا يماري في الدين ، ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب ، ولا يترك المسح على الخفين ، ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار أو عدل).
شرح الاعتقاد للالكائي (183/1)

--. وقال ابن بطال : ( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن للدماء، وتسكين الدهماء ). (فتح الباري 13/7)

--. وقال الآجري رحمه الله (المتوفى: 360هـ): "قد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عز وجل الكريم عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه وسأل الله العظيم أن يكشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين ودعا للولاة بالصلاح وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين وصلى خلفهم الجمعة والعيدين وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم وإن لم يمكنه اعتذر إليهم وإن أمروه بمعصية لم يطعهم وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته وكف لسانه ويده ولم يهو ما هم فيه ولم يعن على فتنة فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله تعالى" .(الشريعة ص 42)
وَقَال: "من أُمِّر عليك من عربي أو غيره، أسود أو أبيض، أو أعجمي، فأطعه فيما ليس لله عَزَّ وَجَلَّ فيه معصية، وإن ظلمك حقًّا لك، وإن ضربكَ ظلمًا، وانتهكَ عرضك وأخذ مالك، فلا يَحملك ذَلِكَ عَلَى أنه يَخرج عليه سيفك حتَّى تقاتله، ولا تَخرج مع خارجي حتَّى تقاتله، ولا تُحرِّض غيرك عَلَى الخروج عليه، ولكن اصبر عليه".
(الشريعة (ص40)

--. وقال بن المنذر رحمه الله :"ذكر الأمر بطاعة السلاطين وإن جاروا في بعض الأحكام خلاف الخوارج ومن رأى مثل رأيهم في الخروج على الأئمة.

--. وقال بن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ) رحمه الله :"ونرى الحجّ والجهاد ماضيان مع كلّ إمام ، برّا كان أو فاجرا ، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة". (لمعة الإعتقاد)

-- وقال القرطبى رحمه الله: والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعاته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ، وإراقة الدماء وانطلاق أيدى السفهاء ، وشن الغارات على المسلمين والفساد في الأرض. (تفسير القرطبي)

-- وقال بن أبي حاتم رحمه الله : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم وذكرا أمورا ثم قالا: ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان . ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يدا من طاعة ، ونتبع السنة والجماعة ، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة . وأن الجهاد ماض منذ بعث الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء  والحج كذلك ، ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين (شرح الاعتقاد للالكائي )

-- وقال بن أبي زيد القيرواني  رحمه الله: والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم.) (مقدمة ابن أبي زيد القيرواني)

--. وقال الإمام الشاطبي في الاعتصام "أن يحيى بن يحيى قيل له: البيعة مكروهة؟ قال: لا. قيل له: فإن كانوا أئمة جور، فقال: قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذا الملك، أخبرني بذلك مالك عنه، أنه كتب إليه: أقرّ له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنّة نبيه. قال يحيى بن يحيى: والبيعة خير من الفرقة".  
                                                      
-- وقال لإمام ابن بطة العكبري رحمه الله تعالى ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها ، وما هي في نفسها ، وما الذي إذا تمسك به العبد ، ودان الله به سمي بها ، واستحق الدخول في جملة أهلها ، وما إن خالفه أو شيئاً منه ، دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذرنا منه ، من أهل البدع والزيغ ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام ، وسائر الأمة ، مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا) وذكر جملة من الأصول ثم قال: ثم من بعد ذلك الكف والقعود في الفتنة ، ولا تخرج بالسيف على الأئمة وإن ظلموا .وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن ظلمك فاصبر وإن حرمك فاصبر .وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأبي ذر اصبر وإن كان عبداً حبشياً ، وقد اجتمت العلماء من أهل الفقه والعلم والنساك والعباد والزهاد ، من أول هذه الأمة إلى وقتنا هذا ، أن صلاة الجمعة والعيدين ، ومنى وعرفات ، والغزو والجهاد والهدي مع كل أمير ، بر وفاجر ، واعطاؤهم الخراج والصدقات والأعشار جائز ، والصلاة في المساجد العظام التي بنوها والمشي على القناطر والجسور التي عقدوها ، والبيع والشراء وسائر التجارة والزراعة والصنائع كلها ، في كل عصر ومع كل أمير جائز على حكم الكتاب والسنة ، لا يضر المحتاط لدينه ، والمتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ظلم ظالم ولا جور جائر ، إذا كان ما يأتيه هو على حكم الكتاب والسنة ، كما أنه لو باع واشترى في زمن الإمام العادل، بيعا يخالف الكتاب والسنة ،لم ينفعه عدل الأمام . والمحاكمة إلى قضاتهم ، ورفع الحدود والقصاص ، وانتزاع الحقوق من أيدي الظلمة بأمرائهم وشرطهم ، والسمع الطاعة لمن ولوه ، وإن كان عبدا حبشيا ، إلا في معصيته الله عز وجل فليس لمخلوق فيها طاعة .النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم،ثم من بعد ذلك اعتقاد الديانة بالنصيحة ، للأئمة وسائر الأمة في الدين والدنيا ، ومحبة الخير لسائر المسلمين ، تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك .( الشرح والإبانة ص175 و276-281)
-- قال الإمام الأصبهاني رحمه الله في رسالته التي جمعها في السنة لما رأى غربة السنة وكثرة الحوادث واتباع الأهواء قال: ثمَّ من السّنة الانقياد لِلْأُمَرَاءِ وَالسُّلْطَان بِأَن لَا يخرج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ وَإِن جاورا، وَأَن يسمعوا لَهُ وَأَن يطيعوا وَإِن كَانَ عبدا حَبَشِيًّا أجدع وَمن السّنة الْحَج مَعَهم، وَالْجهَاد مَعَهم، وَصَلَاة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ خلف كل بر وَفَاجِر وقال في تمامها : وَيشْهد لهَذَا الْفَصْل الْمَجْمُوع من السّنة كتب الْأَئِمَّة، فَأول ذَلِك: كتاب السّنة عَن عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل وَكتاب السّنة لأبي مَسْعُود وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم، وَكتاب السّنة لعبد الله بن مُحَمَّد بن النُّعْمَان، وَكتاب السّنة لأبي عبد الله مُحَمَّد ابْن يُوسُف الْبَنَّا الصُّوفِي رَحِمهم اللَّه أَجْمَعِينَ.ثُمَّ كتب السّنَن للآخرين مثل أَبِي أَحْمَد الْعَسَّال، وَأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن حَمْزَة الطَّبَرَانِيّ، وَأبي الشَّيْخ، وَغَيرهم مِمَّن ألفوا كتب السّنة، فَاجْتمع هَؤُلَاءِ كلهم عَلَى إِثبات هَذَا الْفَصْل من السّنة.
وقال رحمه الله: فصل يتَعَلَّق باعتقاد أهل السّنة ومذهبهم...وَطَاعَة أولي الْأَمر وَاجِبَة وَهِي من أوكد السّنَن ورد بهَا الْكتاب وَالسّنة، وَلَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق.
(الحجة في بيان المحجة للتيمي (478/2) (242،235/1)

-- وقال الإمام أبو إسماعيل الصابوني رحمه الله تعالى: ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين، وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا. ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف. ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل. (عقيدة السلف أصحاب الحديث)

--. وقال الإمام النووي رحمه الله : تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصيةٍ ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة )  وقال: ( وأما الخروج – يعني على الأئمة ـ وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله ، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزلة أكثر منها في بقائه ) . وقال : باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم ثم قال تقدم شرح أحاديثه في الأبواب قبله وحاصله الصبر على ظلمهم وأنه لا تسقط طاعتهم بظلمهم والله أعلم .
ونقل الامام النووى -رحمه الله - الإجماع على ذلك فقال وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث على ماذكرته واجمع أهل السنة انه لا ينعزل السلطان بالفسق .
وقال ( أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وَعَلَى تَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا القاضي)). ( شرح النووي لصحيح مسلم 12/223-225-224-229-235-)

--. وقال العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ( في جامعه) عندما شرح حديث تميم الداري رضي الله عنه  ( الدين النصيحة) قال: ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل ) إلى أن قال رحمه الله : ( معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك).(جامع العلوم والحكم)

--. وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحوية ت796ه.: فقد دلَّ الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، ما لم يأمروا بمعصية، فتأمّل قوله تعالى:{أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}  ؛ كيف قال:{وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؛ لأن أولي الأمر لا يُفْرَدون بالطاعة؛ بل يُطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله .
وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فإنه يترتب على الخروج من طاعتهم أضعاف ما يحصل من جورهم ,بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات و مضاعفة الأجور فإن الله ما سلطهم علينا الا لفساد أعمالنا و الجزاء من العمل.... وكذالك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) الأنعام 129 فإذا اراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير فليتركوا الظلم .

--. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :( وأما أهل العِلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرف من عادات أهل السُنة والدين قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم ).(مجموع الفتاوى 35/12 )  وقال: " استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة ؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم" وقال: "وإن ما أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الصبر على جور الأئمة، وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وإن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد "وقال أيضاً: " إن الملك الظالم لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر من ظلمه، وقد قيل: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام. وإذا قدر كثرة ظلمه فذاك ضررٌ في الدين، كالمصائب تكون كفارة لذنوبهم، ويثابون عليها، ويرجعون فيها إلى الله، ويستغفرونه، ويتوبون إليه، وكذلك ما يسلط عليهم من العدو.. ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتال من يقاتل على الدين الفاسد من أهل البدع كالخوارج، وأمر بالصبر على جور الأئمة، ونهى عن قتالهم والخروج عليهم".........وقال:( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لايرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة. فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته). منهاج السنة النبوية: 3/390.

وقال: ( الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السُنة والجماعة ).مجموع الفتاوى 28/179

وقال : ( ... ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله ، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال). مجموع الفتاوى
وقال : وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بقتال الخوارج عن السنة، وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم والصلاة خلفهم مع ذنوبهم، وشهد لبعض المصرين من أصحابه على بعض الذنوب أنه يحب الله ورسوله، ونهى عن لعنته وأخبر عن ذي الخويصرة وأصحابه مع عبادتهم وورعمهم أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. (مجموع الفتاوى 28/470)

وقال:"وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمة".( مجموع الفتاوى7/284)

وقال: أمر النبى عليه السلام بالصبر على جور الأئمة ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة وقال : " أدوا إليهم حقوقهم وسلوا الله حقوقكم " ، ولهذا كان من أصول السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة وترك القتال في الفتنة. ( رسالة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص 20 )

وقال: ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا. (العقيدة الواسطية ص129).

--. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين " ( 3 / 6 ) :إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ، ويمقت أهله وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر ، وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : ) لا ما أقاموا الصلاة ( ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم  الصبر على منكر فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها.

-- وقال الشيخ عبد المحسن العباد وقد أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه : أعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلاً في سد الذرائع، ثم قال الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ: نَهْيُهُ عَنْ قِتَالِ الْأُمَرَاءِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَإِنْ ظَلَمُوا أَوْ جَارُوا مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ، سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفَسَادِ الْعَظِيمِ وَالشَّرِّ الْكَثِيرِ بِقِتَالِهِمْ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ فَإِنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَالْأُمَّةُ فِي بَقَايَا تِلْكَ الشُّرُورِ إلَى الْآنِ، وَقَالَ: «إذَا بُويِعَ الْخَلِيفَتَانِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفِتْنَةِ.

--. وقال الْإِمَامِ ِابْنِ الْحَدَّادِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَنَرَى الْجِهَادَ وَالْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ مَاضِيَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ مَعْصِيَتِهِ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَلَا الْمُفَارَقَةُ لَهُمْ وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذَنْبٍ عَمِلَهُ وَلَوْ كَبُرَ. (اجتماع الجيوش الإسلامية ابن قيم الجوزية)

--. وقال شيخ الأسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في رسالة ( الأصول الستة( الأصل الثالث: إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشياً فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بياناً شائعاً ذائعاً بكل وجه من أنواع البيان شرعاً وقدراً، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم ، فكيف العمل به)( الجامع الفريد من كتب ورسائل لأئمة الدعوة الإسلامية:281)

وقال الشيخ رحمه الله (المسألة الثالثة ): أنّ مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة ، والسمع والطاعة له ذلّ ومهانة ، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بالصّبر على جور الولاة ، وأمر بالسّمع والطاعة لهم والنصيحة ، وغلظ في ذلك , وأبدى فيه وأعاد.( مسائل الجاهلية ص 4 /طبعة دار الوطن)
وقد حكى الإجماع  أيضاً رحمه الله تعالى  فقال:"الأئمة مجمعون من كل مذهب على أنّ من تغلَّب على بلد أو بلدان، له حكم الإِمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل، قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على أمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلاَّ بالإمام الأعظم".  ("الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (7/ 239).

--. وقال الشوكاني رحمه الله :"ثم إذا لم يثبت على ذلك كان عليهم أمره بما هو معروف ونهيه عما هو منكر ولا يجوز لهم أن يطيعوه في معصية الله ولا يجوز لهم أيضا الخروج عليه ومحاكمته إلى السيف فإن الأحاديث المتواترة قد دلت على ذلك دلالة أوضح من شمس النهار. (السيل الجرار4/509)

--. وقال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" ( 2/ 89 ) : ( وأمر بطاعة أولي الأمر ، وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين ، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله ، ورغبة فيما عنده ، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصيةٍ ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
-- وقال العلامة المباركفوري رحمه الله في " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: فيه أن الإمام إذا أمر بمندوبٍ أو مباحٍ وجب طاعته . قال المطهر : يعني : سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم ، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه ، بشرط أن لا يأمره بمعصيةٍ ، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته ، ولكن لا يجوز له محاربة الإمام ) اهـ

--. وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - رحم الله الجميع في ذلك وأهل العلم متفقون على طاعة من تغلَّب عليهم في المعروف، ويرون نفوذ أحكامه، وصحة إمامته. لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف، وتفريق الأمة، وأن كان الأئمة فسقة، ما لم يروا كفراً بواحاً. ونصوصهم موجودة عن الأئمة الأربعة وغيرهم وأمثالهم ونظرائهم". (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" (3/ 168))


بَابُ : في أن السمع والطَاعة للولاة يكون فِي المعروف

قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. [الممتحنة: 12]

32-- وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ ، لَيْلَةَ العَقَبَةِ  فَقَالَ :
تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ قَالَ:فَبَايَعْتُهُ عَلَى ذَلِكَ. صحيح البخاري

33-- وعن عَلِىٍّ  رضى الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :لا طاعَةَ في معصيةٍ إنَّما الطَّاعَةُ في الْمَعْرُوفِ. (متفق عليه)

قال بن عبد البر في الاستذكار : وَهُدَى اللَّهِ عَلَى مَا يَحِلُّ فِي دِينِ اللَّهِ وَمَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ فَهُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ (لَا طَاعَةَ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ) وَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَطْلَقَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرِهِ ثُمَّ قَيَّدَ ذَلِكَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ بِأَنْ قَالَ (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) وَلِهَذَا يَشْهَدُ الْمُحْكَمُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

وقال الخطابي (المتوفى: 388هـ)في شرح سنن أبي داود : المراد به طاعة الولاة وأنها لا تجب إلاّ في المعروف كالخروج في البعث إذا أمر به الولاة والنفوذ لهم في الأمور التي هي طاعات ومعاون للمسلمين ومصالح لهم. فأما ما كان فيها معصية كقتل النفس المحرمة وما أشبهه فلا طاعة لهم في ذلك.

وقال الشيخ العظيم آبادي (المتوفى: 1329هـ) في عون المعبود شرح سنن أبي داود : (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) لَا فِي الْمُنْكَرِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ مَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الشَّرْعِ وهَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ الْقَاضِيَةِ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى الْعُمُومِ.

وقال الإمام الشوكاني (المتوفى: 1250هـ) نيل الأوطار: وَقَوْلُهُ  (إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) فِيهِ بَيَانُ مَا يُطَاعُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَعْرُوفُ لَا مَا كَانَ مُنْكَرًا، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ مَا كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الشَّرْعِ لَا الْمَعْرُوفُ فِي الْعَقْلِ أَوْ الْعَادَةِ، لِأَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

فصل : في أن طاعة الولاة في المعروف هي من طاعة الله والرسول

34-- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي. (متفق عليه)

قال القاضي عياض في إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم وقوله: " من أطاعنى فقد أطاع الله، ومن يعصنى فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعنى، ومن يعص الأمير فقد عصانى ": بين؛ لأن الله - تعالى - قد أمر بطاعة رسوله، فمن عصاه فقد عصى أمر الله. وأمر الرسول بطاعة أميره، فمن عصاه فقد عصى أمر رسوله. ولا خلاف في وجوب طاعة الأمراء فيما لا يخالف أمر الله وما لم يأمر بمعصية، كما جاء فى الحديث الصحيح.

وقال الطيبي (743هـ) في كتابه الكاشف عن حقائق السنن: قوله : (ومن يطع الأمير فقد أطاعني) كانت قريش ومن يليهم من العرب لا يعرفون الإمارة، ولا يدينون لغير رؤساء قبائلهم، فلما كان الإسلام وولي عليهم الأمراء أنكرته نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة، وإنما قال لهم صلى الله عليه وسلم هذا القول؛ ليعلمهم أن طاعتهم مربوطة بطاعته، وليطاوعوا الأمراء الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يوليهم فلا يستعصوا عليهم.

وقال بن الملقن وهذا يدل على وجوب طاعة السلطان وجوبًا مجملاً؛ لأن فيه طاعة الله وطاعة رسوله فمن ائتمر لطاعة أولي الأمر لأمر الله ورسوله بذلك فطاعتهم واجبة فيما رأوه من وجوه الصلاح، حتى إذا خرجوا إلى ما يشك أنه معصية لم (يلزمهم) طاعتهم فيه وطلب الخروج عن طاعتهم لغير مواجهة بالخلاف.


فصل : في أن الطاعة في المعروف من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار

35-- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ عَبَدَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ، فَإِنَّ اللهَ يُدْخِلُهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ، وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، وَمَنْ عَبَدَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَسَمِعَ وَعَصَى، فَإِنَّ اللهَ مِنْ أَمْرِهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ رَحِمَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ . (حسنه الشيخ الألباني في ظلال الجنة (968)

36-- وعن أَبَي أُمَامَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ أَلا فَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَصَلَّوْا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ وَأَطِيعُوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم.( التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان  4544)

37-- وفي رواية عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب في حجة الوداع فقال اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم . (السلسلة الصحيحة 867 )

قال الصنعاني في التنوير(وأطيعوا ذا أمركم) صاحب الأمر فيكم، والمراد به السلطان والأمر بطاعته فيما هو طاعة، وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قيدته الأحاديث الكثيرة (تدخلوا جنة ربكم) جزم في جواب الأمر أي إن فعلتم ذلك دخلتم الجنة التي لربكم.

وقال الملا علي القاري (المتوفى: 1014هـ) في مرقاة المفاتيح (وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرَكُمْ ") : أَيِ: الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ، أَوِ الْمُرَادُ الْعُلَمَاءُ، أَوْ أَعَمُّ أَيْ: كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِكُمْ، سَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانَ وَلَوْ جَائِرًا وَمُتَعَلِّيًا وَغَيْرَهُ مِنْ أُمَرَائِهِ أَوْ سَائِرَ نُوَّابِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَمِيرَكُمْ ; إِذْ هُوَ خَاصٌّ عُرْفًا بِبَعْضِ مَنْ ذُكِرَ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ بِقَوْلِهِ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . (تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ) : جَوَابُ الْأَوَامِرِ السَّابِقَةِ أَيْ: مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ مَنْ فَعَلَ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ فَهُوَ يَكُونُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَالْمُرَادُ: تَنَالُوا مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ مَا يَلِيقُ بِأَعْمَالِكُمْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَالدَّرَجَاتِ عَلَى حَسَبِ الطَّاعَاتِ.

38-- وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  أطيعوا أمراءكم مهما كان فإن أمروكم بشيء مما جئتكم به فإنهم يؤجرون عليه وتؤجرون عليه ذلكم بأنكم إذا لقيتم ربكم قلتم ربنا لا ظلم فيقول لا ظلم فيقولون ربنا أرسلت إلينا رسلا فأطعناهم واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم وأمرت علينا أمراء فأطعناهم فيقول صدقتم هو عليهم وأنتم منه براء.
(جود إسناده الشيخ الألباني في ظلال الجنة  1048)

39-- وعَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ السَّامِعَ الْمُطِيعَ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ السَّامِعَ الْعَاصِيَ لَا حُجَّةَ لَهُ.
 (جود إسناده الشيخ الألباني في ظلال الجنة 1056)

فصل: في الأمر بدَفْع الزَّكَاة إِلَى الْإِمَام الْجَائِر وأن ذالك من الطاعة في المعروف

40-- عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ  صلى اللهُ عليه وسلَّم  فَقَالُوا: إِنَّ نَاسًا مِنْ الْمُصَدِّقِينَ يَأتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم :إِذَا أَتَاكُمْ الْمُصَدِّقُ , فلَا يُفَارِقَنَّكُمْ إِلَّا وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ  قَالُوا: وَإِنْ ظَلَمَ؟ , قَالَ: أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ , ثُمَّ قَالُوا: وَإِنْ ظَلَمَ؟ , قَالَ: أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ وَإِنْ ظُلِمْتُمْ قَالَ جَرِيرٌ: فَمَا صَدَرَ عَنِّي مُصَدِّقٌ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم إِلَّا وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ. رواه مسلم في صحيحه و النسائي و أبو داود و غيره

41-- وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: أَتَيْت سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - فَقُلْت: إِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ لِي مَالٌ , وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ , وَأَنَا أَجِدُ لَهَا مَوْضِعًا , وَهَؤُلَاءِ يَصْنَعُونَ فِيهَا مَا قَدْ رَأَيْتَ , فَقَالَ: أَدِّهَا إِلَيْهِمْ  , قَالَ: وَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ - رضي الله عنه - مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَدِّهَا إِلَيْهِمْ , قَالَ: وَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - مِثْلَ ذَلِكَ , فَقَالَ أَدِّهَا إِلَيْهِمْ.
رواه البيهقي و بن أبي شيبة  وفي(الأموال لأبي عبيد) 1791 , وصححه الألباني في الإرواء: 874 وفي كتاب مُشْكِلَةِ الْفَقْر: 72


42-- وَعَنْ قَزَعَةَ قَالَ: قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: إنَّ لِي مَالاً فَإِلَى مَنْ أَدْفَعُ زَكَاتَهُ؟، قَالَ: ادْفَعْهَا إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ - يَعْنِي الْأُمَرَاءَ - قُلْت: إذًا يَتَّخِذُونَ بِهَا ثِيَابًا وَطِيبًا، قَالَ: وَإِنْ اتَّخَذُوا ثِيَابًا وَطِيبًا، وَلَكِنْ فِي مَالِك حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ يَا قَزَعَةَ.
مخرج في مصنف بن أبي شيبة 10191 , الأموال لأبي عبيد 1800 , وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 873



باب: في أن السمع والطاعة يكون على قدر الاستطاعة

قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا}. [التغابن: 16]

43-- عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ . متفق عليه

44-- وعن بْنِ عُمَرَ قَالَ : كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، يَقُولُ لَنَا: فِيمَا اسْتَطَعْتَم.( متفق عليه) وفي رواية  وَيُلَقِّنُنَا فِيمَا اسْتَطَعْتَ. صحيح سنن أبي داود 2940

45-- وعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَقَالَ: فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ . صحيح ابن ماجة

46-- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو عن النبي صلى الله عليه وسلم َقال: مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَمِينِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ . (الصحيحة)(241)

47-- وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَبْدَ المَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِلَى عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ . صحيح البخاري

48-- وعَنْ بِشْرِ بْنِ قُحَيْفٍ قَالَ: بَايَعَ عُمَرَ رَجُلٌ قَالَ  أُبَايِعُكَ فِيمَا رَضِيتُ وَكَرِهْتُ فَقَالَ عُمَرُ لَا، بَلْ فِيمَا اسْتَطَعْتَ. (السُّنَّة للخلال)

49-- وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بَعْدَ هَلَاكِ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ ارْفَعْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى مَا بَايَعْتُ عَلَيْهِ صَاحِبَيْكَ مِنْ قَبْلُ أَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ. مسند أبي داود الطيالسي (ص 286: 2150).

قال القاضي عياض في الإكمال: وقوله: كنا نبايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة فيقول لنا: " فيما استطعت ": فيه ما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرأفة والرحمة بأمته وألا يتركهم من القول لما عساه أن يشق عليهم مطلقه، كما لم يتركهم فى ذلك من الفعل وقال: " عليكم بما تطيقون " وامتثالاً لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}، وقوله: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا به}وفيه أن أعمال المكره وعقوده لا حكم لها.
وقال بن الملقن الشافعي (المتوفى: 804هـ) في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: وقوله في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - "فيما استطعتم" قاله إشفاقًا ورحمة لهم وتنبيهًا لهم على استعمال ذلك في بيعتهم لئلا يدهمهم أمر لا طاقة لهم به، والرب -جل جلاله- قال: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 285] وقد سلف ذلك.

وقَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِيمَا (اسْتَطَعْتُ) عَلَى التَّكَلُّمِ أَيْ قُلْ: فِيمَا اسْتَطَعْتُ، تَلْقِينًا لَهُمْ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ حَيْثُ لَقَّنَهُمْ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ فِيمَا اسْتَطَعْتُ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي عُمُومِ بَيْعَتِهِ مَا لَا يُطِيقُهُ.

وقال الشافعي : فالسنة أن يبايع الناس إمامهم؛ على أن يقاتلوا معه ما أمكنهم القتال وأطاقوه؛ وإذا لم يطيقوه فلا سبيل لهم على ما وصفه ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبايع الناس فيما استطاعوا. الشَّافِي فيْ شَرْح مُسْنَد الشَّافِعي لابْنِ الأثِيرْ (المتوفى: 606هـ)

50-- وعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ  رضي الله عنها  قَالَتْ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  فِي نِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ نُبَايِعُهُ , فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا , وَلَا نَسْرِقَ , وَلَا نَزْنِيَ , وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا ,وَلَا نَعْصِيكَ فِي مَعْرُوفٍ , فَقَالَ: فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ , فَقُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بِأَنْفُسِنَا هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ : اذْهَبْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ  فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تُصَافِحُنَا؟ قَالَ: إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ , إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ , كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ . الجامع الصحيح للسنن والمسانيد المؤلف: صهيب عبد الجبار

قال بن عبد البر في الاستذكار : وَأَمَّا مَدُّ الْيَدِ وَالْمُصَافَحَةُ فِي الْبَيْعَةِ فَذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ الْمَسْنُونَةِ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَافِحُ النِّسَاءَ.

وقال في التمهيد : وَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ» يُرِيدُ لَا أُبَاشِرُ أَيْدِيَهُنَّ بِيَدِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الِاجْتِنَابَ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ مُبَايَعَةِ الرِّجَالِ الْمُصَافَحَةَ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُبَاشَرَتِهِنَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْمُبَايَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ فَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُبَايَعَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالْمُكَاتَبَةِ دُونَ الْمُصَافَحَةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الْمُعَاقَدَةِ وَإِلْزَامِ ذَلِكَ وَالْتِزَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.


باب: ما جاء في النهي عن طاعة الولاة إذا أمروا بمعصية الله

n        َقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا , رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ , وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب/67، 68]
51-- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: طَاعَةُ الْإِمَامِ حَقٌّ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَأمُرْ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ , فلَا طَاعَةَ لَهُ. (السلسلة الصحيحة 752 - صحيح الجامع الصغير وزياداته 3907)

قال الحافظ بن حجر في الفتح قَوْلُهُ : مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ هَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ مِنَ الْأَمْرِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ وَمِنَ الصَّبْرِ عَلَى مَا يَقَعُ مِنَ الْأَمِيرِ مِمَّا يُكْرَهُ وَالْوَعِيدُ عَلَى مُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ فَإِذَا أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ أَيْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عِنْدَ أَحْمَدَ لَا طَاعَةَ لِمَنْ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَعِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى.

52-- وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ. (رواه البخاري 2955 )

53-- وفي رواية قال عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ عليه 1 وَلاَ طَاعَةَ. (متفق عليه) 1 صحيح سنن الترمذي

قال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين : قوله ((على المرء)) هذه كلمة تدل على الوجوب، وأنه يجب على المرء المسلم بمقتضى إسلامه أن يسمع ويطيع لولاة الأمور فيما أحب وفيما كره، حتى لو أمر بشيء يكرهه؛ فإنه يجب عليه أن يقوم به ولو كان يرى خلافه، ولو كان يكره أن ينفذه. فالواجب عليه أن ينفذ، إلا إذا أمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية الله فطاعة الله تعالى فوق كل طاعة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثم قال إذاًَ أوامر ولاة الأمور تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول : أن يأمروا بما أمر الله به، فهنا تجب طاعتهم .
الثاني: أن يأمروا بمعصية الله، فهنا لا سمع لهم ولا طاعة مهما كان، وأنت إذا نالك عذاب منهم بسبب هذا فسيُعاقبون عليهم هم يوم القيامة.
الثالث: إذا أمروا بشيء ليس فيه أمر ولا نهي، فيجب عليك أن تطيعهم وجوباً، فإن لم تفعل فأنت آثم، ولهم الحق أن يعزروك وأن يؤدبوك بما يرون من تعزير وتأديب؛ لأنك خالفت أمر الله في طاعتهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) .

54-- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزّز المدلجي رضي الله تعالى عنه في سرية إلى الحبشة فلما انتهى إلى رأس غزاته، وَفِي بَعْضِ الطَّرِيقِ اسْتَأْذَنَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَمَرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ وَكَانَ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممِنْ شهد  بَدْرٍ ، فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَعَ مَعَهُ، فلما كان في بعض الطريق، نَزَلَ مَنْزِلاً، فَأوْقَدَ الْقَوْمُ نَارَا يَصْطَلُونَ بِهَا وَيصْنَعُونَ عَلَيْهَا صَنِيعاً لَهُمْ، فقال لهم عبد الله، -وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ-: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى، قال: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه؟ قالوا: نعم، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقِّي وَطَاعَتي إِلاَّ تَوَاثَبْتُمُ فِي هذِهِ النَّارِ، فقام بعضهم فتحجّزوا حتى إِذَا ظنّ أنهم واثبون فيها، قَالَ: اجلسوا، أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ، فإنما كنت أمزح معكم، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرُوا ذلِكَ لَهُ، فقال" من أمركم من الولاة بمعصية الله فلا تطيعوه. هذا الحديث روي بأسانيد وألفاظ مختلفة وقد حاولت جمعها و اختصارها و ترتيبها على سياق مكتمل مفهوم.و هذا الحديث أخرجه أحمد(3 / 67) (11639) و ابن ماجة 2/ 955 (2863) (2 / 201 - 202)  وابن حبان (1552) (4558) و مصنف ابن أبي شيبة 12/543 و14/2 و/ 502 برقم (1349)، 341، ، وأبو يعلى الموصلي برقم (279) (1349) (4046)وابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 118 وذكره السيوطي في الدر 2/ 177. و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2324 وفي التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان و صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الألباني

55--  وعن عَلِيٍّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسَرِيَّةً  وأمر عليهم رَجُلًا مِنَ الأَنْصَار1 وَأَمَرَهُمْ  أن يسمعوا له2 و يُطِيعُوهُ 1 فأغضبوه في شيء 2.3.4  فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ 1 فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى1 قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا 1 فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا 1 ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى 2.3.4 فَقَالَ: ادْخُلُوهَا !1قال: فنظر بعضهم إلى بعض2.3.4 فهم القوم أن يدخلوهاوَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا 1 فقالوا وفي رواية: فقال لهم شاب3  إنما تبعنا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرار مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا؟ 1فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها 3 فَمَا زَالُوا1 كذلك4 حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ1 فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:2.4 للذين أرادوا أن يدخلوها 5 لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة 5.6 وقَالَ لِلْآخَرِينَ: أَحْسَنْتُمْ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إنما الطاعة في المعروف. هذا الحديث روي بأسانيد و ألفاظ مختلفة وقد حاولت جمع ألفاظها و اختصارها و ترتيبها على سياق واحد  مكتمل ومفهوم و جعلت تخريج ألفاظها على حسب الأرقام التالية :1 .صحيح البخاري 2 .صحيح مسلم  3 .مسند أحمد  4. مصنف ابن أبي شيبة  5. صحيح النسائي  6. صحيح سنن أبي داود  .

56-- وعن رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ قَعَدْتُ إِلَى الشعبي بدمشق فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَحَدَّثَ رَجُلٌ مِنَ التابعين عن رسول الله أَنَّهُ قَالَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الْأُمَرَاءَ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَلَكُمْ وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَعَلَيْهِمْ وَأَنْتُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ قَالَ الشَّعْبِيُّ كَذَبْتَ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوف.  (ابن عبد البر في التمهيد)

قال محمد بن جرير الطبري : في حديث على وحديث ابن عمر البيان الواضح عن نهى الله على لسان رسوله عباده عن طاعة مخلوق في معصية خالقه، سلطانًا كان الآمر بذلك، أو سوقة، أو والدًا، أو كائنًا من كان. فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا من الناس في أمر قد صح عنده نهى الله عنه. فإن ظن ظان أن في قوله (صلى الله عليه وسلم) في حديث أنس: (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى) وفى قوله في حديث ابن عباس: (من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر) حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقال: قد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطئًا، وذلك أن أخبار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله وأمر رسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا في معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف. الكتاب : شرح صحيح البخارى لابن بطال  (المتوفى: 449هـ)

قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار (المتوفى: 1250هـ) :قَوْلُهُ (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) أَيْ لَا تَجِبُ، بَلْ تَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ. وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عِنْدَ أَحْمَدَ «لَا طَاعَةَ لِمَنْ لَمْ يُطِعْ اللَّهَ» . وَعِنْد الْبَزَّارِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ.
وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ «لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ» وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: «فَإِذَا أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ الْقَاضِيَةِ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالْقَاضِيَةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْ الْأَمِيرِ مِمَّا يُكْرَهُ، وَالْوَعِيدِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ: نَفْيُ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الْوُجُودِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: " إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ " فِيهِ بَيَانُ مَا يُطَاعُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَعْرُوفُ لَا مَا كَانَ مُنْكَرًا، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ مَا كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الشَّرْعِ لَا الْمَعْرُوفُ فِي الْعَقْلِ أَوْ الْعَادَةِ، لِأَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

قال أبو ياسر غفر الله له و لوالديه : وقد نقل بن عبد البر الإجماع  على عدم طاعة الولاة إذا أمروا بمعصية الله فقال :
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ بِمُنْكَرٍ لَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. التمهيد.
وكذالك نقله القاضي عياض فقال : أجمع الْعلمَاء على وجوب طَاعَة الإِمَام فِي غير مَعْصِيّة وتحريمها فِي الْمعْصِيَة. عمدة القاري شرح صحيح البخاري


فصل: أن من الطاعة في معصية الله إعانة الحاكم الظالم على ظلمه

63-- عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ، خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْآخَرُ مِنَ الْعَجَمِ، فَقَالَ: اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ . (صحيح السنن  النسائي  4207-  2110 )

64-- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَعَاذَكَ اللهُ  مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ ، قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟، قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلَا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ،  وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي . (أخرجه احمد -14441)

65-- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَال : قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : لَيَأْتِيَن عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاة عَنْ موَاقِيتِها، فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فلا يَكُونَنَّ عَرِيفاً، وَلا شُرْطِياً، وَلا جَابِياً، وَلا خَازِناً. (الصحيحة360)

قال العينى في عمدة القاري : قوله عريفا أي قيما على نحو قبيلة يلي أمرهم ويعرف الأمير حالهم وَالشرط هم نخبة أَصْحَاب السُّلْطَان الَّذين يقدمهم على غَيرهم من جنده والجباة هم الَّذين كَانُوا يجبونَ الْأَمْوَال أَي: يجمعونها.كالصدقات والزكاة والمكوس.

66-- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: وَيْلٌ لِلأُمَرَاءِ، ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمَّنينَّ أَقْوَامٌ يوم القيامة أَنَّهُمْ كَانُوا مُعَلَّقِينَ بِذَوَائِبِهِمْ بالثُّريَّا يدلدلون بين السماء والأرض وأنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا وَلُوا شَيْئاً قَطُّ . (الصحيحة-2620)

قال الطيبي في شرح مشكاة المصابيح والمراد بالأمناء من ائتمنه الإمام علي الصدقات والخراج وسائر أموال المسلمين.


67-- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه  قَالَ : قَامْ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا، فَكَانَ مِنْ خُطْبَتِهِ أَنْ قَالَ: أَلَا إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ , فَيَلِيَكُمْ عُمَّالٌ  مِنْ بَعْدِي، يَقُولُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ، وَيَعْمَلُونَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَطَاعَةُ أُولَئِكَ طَاعَةٌ، فَتَلْبَثُونَ كَذَلِكَ دَهْرًا، ثُمَّ يَلِيَكُمْ عُمَّالٌ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ , وَيَعْمَلُونَ مَا لَا يَعْرِفُونَ، فَمَنْ نَاصَحَهُمْ وَوَازَرَهُمْ , وَشَدَّ عَلَى أَعْضَادِهِمْ , فَأُولَئِكَ قَدْ هَلَكُوا وَأَهْلَكُوا، فَخَالِطُوهُمْ بِأَجْسَادِكُمْ , وَزَايِلُوهُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَاشْهَدُوا عَلَى الْمُحْسِنِ بِأَنَّهُ مُحْسِنٌ , وَعَلَى الْمُسِيءِ بِأَنَّهُ مُسِيءٌ . السلسلة الصَّحِيحَة: 457

باب ما جاء في وقوع الإثم على الحاكم الذي يأمر بمعصية الله

68-- عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ (متفق عليه) وفي رواية فَإِنَّ عَلَيْهِ وِزْرًا. (صحيح النسائي 4196)

قَالَ الإمام النَّوَوِيُّ: في شرح صحيح مسلم (الْإِمَامُ جُنَّةٌ) أَيْ كَالسِّتْرِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَدُوَّ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَيَحْمِي بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ وَيَتَّقِيهِ النَّاسُ وَيَخَافُونَ سَطْوَتَهُ وَمَعْنَى (يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ) أَيْ يُقَاتَلُ مَعَهُ الْكُفَّارُ وَالْبُغَاةُ وَالْخَوَارِجُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ مُطْلَقًا.

وقال بن الملقن الشافعي : فإن لم يقاتل من ورائه ،وأتي عليه، مرج أمر الناس، وأكل القوي الضعيف، وضيعت الحدود والفروض، وتطاول أهل الحرب إلى المسلمين.

وقال ابن المنير الإسكندراني (المتوفى: 683هـ) فِي قَوْله : " الإِمَام جنَّة يتقى بِهِ وَيُقَاتل من وَرَائه ". أَي هُوَ أول فِي إِسْنَاد الهمم والعزائم إِلَى وجنوده. وَهُوَ آخر فِي صُورَة وُقُوفه، فَلَا يَنْبَغِي لأجناده إِذا قَاتلُوا بَين يَدَيْهِ، أَن يَظُنُّوا أَنهم حموه، بل هُوَ حماهم، وصان بتدبيره حماهم، فَهُوَ وَإِن كَانَ خلف الصَّفّ، إِلَّا أَنه فِي الْحَقِيقَة جنَّة أما الصَّفّ وَحقّ للْإِمَام أَن يكون مَحَله فِي الْحَقِيقَة الْأَمَام. وَالله أعلم.

وقال القسطلاني (يقاتل من ورائه) أي أمامه فعبر بالوراء عنه كقوله تعالى: {وكان وراءهم ملك} [الكهف: 79]. أي أمامهم فالمراد المقاتلة للدفع عن الإمام سواء كان ذلك من خلفه حقيقة أو قدامه فإن لم يقاتل من ورائه وأبى عليه مرج أمر الناس وسطا القوي على الضعيف وضيعت الحدود والفرائض (ويتقى به) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول فلا يعتقد من قاتل عنه أنه حماه، بل ينبغي أن يعتقد أنه احتمى به لأنه فئته وبه.

وقَالَ الإمام النَّوَوِيُّ: وهذا الحديث فِيهِ حَثٌّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَسَبَبُهَا اجْتِمَاعُ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ الْخِلَافَ سَبَبٌ لِفَسَادِ أَحْوَالِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعِ الْأَحْوَالِ حَالُ الْمَعْصِيَةِ لِمَا يُسْتَفَادُ مِنْ صَدْرِ الْحَدِيثِ.

69-- وعن عبد الله بن مسعود قَالَ: إِنَّ الْإِمَامَ يُفْسِدُ قَلِيلًا وَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُصْلِحُ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُفْسِدُ فَمَا عَمِلَ فِيكُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَعَلَيْكُمُ الشُّكْرُ، وَمَا عَمِلَ فِيكُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَعَلَيْهِ الْوِزْرُ وَعَلَيْكُمُ الصَّبْرُ. كتاب الفتن للداني انتهى


باب ما جاء في عقوبة الولاة الذين يعملون بمعصية الله

70-- عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ. متفق عليه

71-- وفي رواية عنه قال : مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ. صحيح البخاري

72-- وعن عائشة رضي الله عنها  قالت : سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ. صحيح مسلم

73-- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ. صحيح مسلم

74-- وفي رواية عنه قال : أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللهُ: الْبَيَّاعُ الْحَلاَّفُ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالشَّيْخُ الزَّانِي، وَالإِمَامُ الْجَائِرُ . صحيح سنن النسائي الألباني


باب ما جاء في بغض ما يأتي به الإمام من معصية الله

75-- عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ألا مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَن ْ يَدَهُ مِنْ طَاعَتِهِ . صحيح مسلم

قال الشوكاني في نيل الأوطار قَوْلُهُ: (فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَن يَدًا مِنْ طَاعَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ مَا يَفْعَلُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الْمَعَاصِي كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحِ: «فَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» وَيُمْكِنُ حَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُخْتَصًّا بِالْأُمَرَاءِ إذَا فَعَلُوا مُنْكَرًا لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ تَحْرِيمِ مَعْصِيَتِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ، فَكَفَى فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ مُجَرَّدُ الْكَرَاهَةِ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ تَظَهُّرًا بِالْعِصْيَانِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْمُنَابَذَةِ بِالسَّيْفِ..

76--. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلفاء يَعْمَلون بِمَا يَعلَمُون ويَفعَلُونَ مَا يُؤْمَرون وَسَيَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلفاء يَعْمَلون مَا لَا يَعلَمُون ويَفْعَلُون مَا لَا يُؤْمرون فَمَنْ أَنكرَ بَرِىءَ ومَنْ أَمْسَكَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وتَابَعَ.(الصحيحة-3007).


باب ما جاء في الأمر بالصبر على الإمام الجائر الفاسق

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. الأعراف (128..127)

وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} الأعراف (137)

77-- عن حذيفة بن اليمان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ : تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ. صحيح مسلم

78-- وعن بن عباس عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً . متفق عليه

وفي رواية قَالَ : مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فلْيَصْبِرْ عليه  فَإِنَّهُ ليْسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبْرًا، فَمَاتَ عَليْهِ، إِلاَ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِليَّةً. متفق عليه واللفظ لمسلم

قال بن بطال المالكي في شرحه لصحيح البخاري وقوله: (من رأى شيئًا يكرهه فليصبر) يعنى: من الظلم والجور. فأما من رأى شيئًا من معارضة الله ببدعة أو قلب شريعة، فليخرج من تلك الأرض ويهاجر منها، وإن أمكنه إمام عدل واتفق عليه جمهور الناس فلا بأس بخلع الأول، فإن لم يكن معه إلا قطعة من الناس أو ما يوجب الفرقة فلا يحل له الخروج.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري : (من كره من أميره شيئًا) من أمر الدين (فليصبر) على ذلك المكروه ولا يخرج عن طاعة السلطان (فإنه من خرج من السلطان) أي من طاعته (شبرًا) أي قدر شبر كناية عن معصية السلطان ولو بأدنى شيء (مات ميتة جاهلية) أي كما يموت أهل الجاهلية من الضلالة والفرقة وليس لهم إمام يطاع وفي الحديث أن السلطان لا ينعزل بالفسق إذ في عزله سبب للفتنة وإراقة الدماء وتفريق ذات البين فالمفسدة في عزله أكثر منها في بقائه.

79-- عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُم ْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  . صحيح البخاري.

قَالَ الْحَافِظُ بن حجر فِي الْفَتْحِ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَسَادِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْوَحْيِ انْتَهَى

وَقَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ تَكُونُ فِي الشَّرِّ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَمَنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَجَّاجِ بِيَسِيرٍ وَقَدِ اشْتُهِرَ الْخَيْرُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عبد العزيز بل لو قيل إن الشر اضمحل فِي زَمَانِهِ لَمَّا كَانَ بَعِيدًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرًّا مِنَ الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ حَمَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ فَسُئِلَ عَنْ وُجُودِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ تَنْفِيسٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْضِيلِ تَفْضِيلُ مَجْمُوعِ الْعَصْرِ عَلَى مَجْمُوعِ الْعَصْرِ فَإِنَّ عَصْرَ الْحَجَّاجِ كَانَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الأحياء وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا وَالزَّمَانُ الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَةُ خَيْرٌ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ

قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ التَّصْرِيحَ بِالْمُرَادِ وَهُوَ أَوْلَى بالإتباع فَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لَسْتُ أَعْنِي رَخَاءً مِنَ الْعَيْشِ يُصِيبُهُ وَلَا مَالًا يُفِيدُهُ وَلَكِنْ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ أَقَلُّ عِلْمًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي مَضَى قَبْلَهُ فَإِذَا ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ اسْتَوَى النَّاسُ فَلَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُونَ.

قال الشيخ العثيمين رحمه الله قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن الزبير بن عدي؛ أنهم أتوا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه؛ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد عمر، وبقى إلى حوالي تسعين سنة من الهجرة النبوية، وكان قد أدرك وقته شيء من الفتن، فجاءوا يشكون إليه ما يجدون من الحجاج بن يوسف الثقفي؛ أحد الأمراء لخلفاء بني أمية، وكان معروفاً بالظلم وسفك الدماء، وكان جباراً عنيداً والعياذ بالله.
وهو الذي حاصر مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وجعل يرمي الكعبة بالمنجنيق؛ حتى هدمها أو هدم شيئاً منها، وكان قد آذى الناس، فجاءوا يشكون إلى أنس بن مالك رضي الله عنه، فقال لهم أنس رضي الله عنه: اصبروا؛ أمرهم بالصبر على جور ولاة الأمور، وذلك لأن ولاة الأمور قد يسلطون على الناس؛ بسبب ظلم الناس، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام: 129) .فإذا رأيت ولاة الأمور قد ظلموا الناس في أموالهم، أو في أبدانهم، أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الله عز وجل، أو ما أشبه ذلك؛ ففكر في حال الناس؛ تجد أن البلاء أساسه من الناس، هم الذين انحرفوا؛ فسلط الله عليهم من سلط من ولاة الأمور، وفي الأثر ـ وليس بحديث ـ كما تكونون يولى عليكم.
وفي هذا الحديث وجوب الصبر على ولاة الأمور وإن ظلموا وجاروا، لأنك سوف تقف معهم موقفاً تكون أنت وإياهم على حد سواء؛ عند ملك الملوك، سوف تكون خصمهم يوم القيامة إذا ظلموك، لا تظن أن ما يكون في الدنيا من الظلم سيذهب هباءً أبداً، حق المخلوق لابد أن يؤخذ يوم القيامة؛ فأنت سوف تقف معهم بين يدي الله ـ عز وجل ـ ليقضي بينكم بالعدل، فاصبر وانتظر الفرج، فيحصل لك بذلك اطمئنان النفس والثبات، وانتظار الفرج عبادة، تتعبد لله به، وإذا انتظرت الفرج من الله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) .

80-- وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : .. ولاة يكونون علينا.. لا نَسْأَلُكَ عَنْ طَاعَةِ مَنِ اتَّقَى وَلَكِنْ مَنْ فَعَلَ وَفَعَلَ فَذَكَرَ الشَّرَّ فَقَالَ : اتَّقُوا الله واسمعوا وأطيعوا. صحيحه الألباني في الظلال  : 1069

81-- وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: أَلا أَرَاكَ نَائِمًا فِيهِ فَقُلْتُ: يا رسول الله غلبني عَيْنِي قَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أخرجت منه ؟ فقلت: إني أرضى الشَّامِ الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الْمُبَارَكَةَ. قَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ ؟ قَالَ: مَا أَصْنَعُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي يا رسول الله فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَقْرَبَ رُشْدًا قَالَهَا مرتين تسمع وتطيع وتساق كيف ساقوك. حسنه الألباني في الظلال  - (1074).

82-- وعن عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ البصري رحمه الله (المتوفى: 110هـ) : أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ لما خلع البيعة قَالَ: وَأَتَاهُ رَهْطٌ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا بُيُوتَهُمْ ، وَيُغْلِقُوا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ابْتُلُوا مِنْ قِبَلِ سُلْطَانِهِمْ صَبَرُوا مَا لَبِثُوا أَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَى السَّيْفِ فَيُوكَلُوا إِلَيْهِ، وَوَاللَّهِ مَا جَاءُوا بِيَوْمِ خَيْرٍ قَطُّ، ثُمَّ تَلَا: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ، وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}.
وقال: يا عجباً لمن يخاف ملكاً أو يتقي ظلماً بعد أيمانه بهذه الآية أما والله لو أن الناس إذا ابتلوا صبروا لأمر ربهم لفرج الله عنهم كربهم ولكنهم جزعوا من السيف فوكلوا إلى الخوف ونعوذ بالله من شر البلاء. الشريعة ج1 ص158 وكتاب أصول السنة لإمام أحمد

83-- وقال مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ: إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بَلَاءً وَفِتْنَةً، وَلَنْ يَزْدَادَ الْأَمْرُ إِلَّا بَلَاءً وَشِدَّةً، وَلَنْ تَرَوْا مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَّا غِلْظَةً، وَلَنْ تَرَوْا أَمْرًا يَهُولُكُمْ وَيَشْتَدُّ عَلَيْكُمْ إِلَّا حَضَرَهُ بَعْدَهُ مَا هُو أَشَدُّ مِنْهُ، أَكْثَرُ أَمِيرٍ وَشَرُّ تَأْمِيرٍ . قَالَ أَحْمَدُ: اللَّهُمَّ رَضِينَا يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً.  السنة للخلال و الإبانة الكبرى لابن بطة و [كنز العمال 31360]

84-- وقَالَ عبد الله ابْنُ عُمَرَ حِينَ بُويِعَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِنْ كَانَ خَيْرًا رَضِينَا وَإِنْ كَانَ بَلَاءً صَبَرْنَا.  التمهيد ابن عبد البر (المتوفى: 463هـ

85-- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ إِمَارَةٍ بَرَّةٍ أَوْ فَاجِرَةٍ، فَأَمَّا الْبَرَّةُ فَتَعْدِلُ فِي الْقَسَمِ وَتُقَسِّمُ فَيْئَكُمْ فِيكُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَأَمَّا الْفَاجِرَةُ فَيُبْتَلَى فِيهَا الْمُؤْمِنُ. وَالْإِمَارَةُ الْفَاجِرَةُ خَيْرٌ مِنَ الْهَرَجِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرَجُ؟ قَالَ: الْقَتْلُ وَالْكَذِبُ.
.
قال بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) في كتابه تأويل مختلف الحديث: وَأَمَّا قَوْلُهُ: صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ" فَإِنَّهُ يُرِيدُ السُّلْطَانَ، الَّذِي يَجْمَعُ النَّاسَ وَيَؤُمُّهُمْ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ يُرِيدُ: لَا تَخْرُجُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَشُقُّوا الْعَصَا، وَلَا تُفَارِقُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ سُلْطَانُكُمْ فَاجِرًا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَلَا يَصْلُحُ النَّاسُ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَنْتَظِمُ أَمْرُهُمْ.
رواه بن ابي شيبة وفي (الأموال لأبي عبيد) 1800 , وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 873
-- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الْحَلْقَةِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ مَرْوَانُ شَيْئًا فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ أُمَرَاءَ سُفَهَاءَ  مِنْ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالُوا: فَمَا تَأمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللهُ عَلَيْهِمْ , غِلْمَةٌ ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ قَالَ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ أَبِي وَجَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ بَعْدَمَا مُلِّكُوا بِالشَّامَ فَإِذَا هُمْ يُبَايِعُونَ الصِّبْيَانَ مِنْهُمْ , وَمَنْ يُبَايَعُ لَهُ وَهُوَ فِي خِرْقَةٍ فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا: عَسَى أَصْحَابُكُمْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا الَّذِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ؟,إ ِنَّ هَذِهِ الْمُلُوكَ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا  فَقُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ. رواه البخاري و مسلم و أحمد و جمع ألفاظه صهيب عبد الجبار في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد


قال الحافظ بن حجر في الفتح قَوْلُهُ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ ذَلِكَ زمن مُعَاوِيَة قَوْله ومعنا مَرْوَان هُوَ بن الْحَكَمِ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ الَّذِي وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ يَلِي لِمُعَاوِيَةَ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ تَارَةً وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَالِدُ عَمْرٍو يَلِيُهَا لِمُعَاوِيَةَ تَارَةً
قَوْلُهُ هَلَكَةُ أُمَّتِي الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ هُنَا أَهْلُ ذَلِكَ الْعَصْرِ وَمَنْ قَارَبَهُمْ لَا جَمِيعُ الْأُمَّة إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ من قريش و هم بنو أمية يزيد بن معاوية ومن بعده . وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُهْلِكُونَ النَّاسَ بِسَبَبِ طَلَبِهِمُ الْمُلْكَ وَالْقِتَالَ لِأَجْلِهِ فَتَفْسُدُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَيَكْثُرُ الْخَبْطُ بِتَوَالِي الْفِتَنِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ مَحْذُوفُ الْجَوَابِ وَتَقْدِيرُهُ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ وَالْمُرَادُ بِاعْتِزَالِهِمْ أَنْ لَا يُدَاخِلُوهُمْ وَلَا يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ وَيَفِرُّوا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتَنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ جَوَابٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ هِجْرَانِ الْبَلْدَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إِظْهَارُ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ وُقُوعِ الْفِتَنِ الَّتِي ينشأ عَنْهَا عُمُوم الْهَلَاك قَالَ بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ تُهْجَرُ الْأَرْضُ الَّتِي يُصْنَعُ فِيهَا الْمُنْكَرُ جِهَارًا وَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ
قَالَ بن بَطَّالٍ جَاءَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ مُبَيَّنًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ قَالُوا وَمَا إِمَارَة الصّبيان قَالَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ هَلَكْتُمْ أَيْ فِي دِينِكُمْ وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ أَهْلَكُوكُمْ أَيْ فِي دُنْيَاكُمْ بِإِزْهَاقِ النَّفْسِ أَوْ بِإِذْهَابِ الْمَالِ أَوْ بِهِمَا
وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَمْشِي فِي السُّوقِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تُدْرِكْنِي سَنَةُ سِتِّينَ وَلَا إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ الْأُغَيْلِمَةِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اسْتُخْلِفَ فِيهَا وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ فَمَاتَ ثُمَّ وَلِيَ وَلَدُهُ مُعَاوِيَةُ وَمَاتَ بَعْدَ أَشْهُرٍ.
قَالَ بن بَطَّالٍ  وفى هذا الحديث أيضًا حجة لجماعة الأمة في ترك القيام على أئمة الجور ووجوب طاعتهم والسمع والطاعة لهم، ألا ترى أنه (صلى الله عليه وسلم) قد أعلم أبا هريرة بأسمائهم وأسماء آبائهم، ولم يأمره بالخروج عليهم ولا بمحاربتهم، وإن كان قد أخبر أن هلاك أمته على أيديهم، إذ الخروج عليهم أشدّ في الهلاك وأقوى في الاستئصال، فاختار (صلى الله عليه وسلم) لأمته أيسر الأمرين وأخف الهلاكين، إذ قد جرى قدر الله وعلمه أن أئمة الجور أكثر من أئمة العدل وأنهم يتغلّبون على الأمة، وهذا الحديث من أقوى ما يرد به على الخوارج.

وقال القاضي عياض في الإكمال وقوله : يهلك أمتي هذا الحي من قريش وفى البخاري : هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش . فيه الحجة على ترك القيام على أمراء الجور؛ إذ أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحال هؤلاء ولم يأمر بالقيام عليهم ولا محاربتهم، بل قال : إذ سئل : لو أنّ الناس اعتزلوهم .

فصل في الأمر بالصبر على الولاة الذين يستأثرون بالدنيا ويمنعون حقوق الرعية

86-- عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَلَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ. صحيح البخاري 

87-- وعن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكمْ . متفق عليه

قال الحافظ بن حجر قَوْلُهُ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَشَرْحُهَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَحَاصِلُهَا الِاخْتِصَاصُ بِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ
قَوْلُهُ وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا يَعْنِي مِنْ أُمُورِ الدِّينِ قَوْلُهُ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا أَيْ أَنْ نَفْعَلَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَدُّوا إِلَيْهِمْ أَيْ إِلَى الْأُمَرَاءِ حَقَّهُمْ أَيِ الَّذِي وَجَبَ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَقَبْضُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَخْتَصُّ بِهِمْ أَوْ يَعُمُّ  وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ أَيْ بَذْلُ الْمَالِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ وَالنَّفْسِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ عِنْدَ التَّعْيِينِ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ أَيْ بِأَنْ يُلْهِمَهُمْ إِنْصَافَكُمْ أَوْ يُبْدِلَكُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي المخاطبين.

88-- وعَنْ وَائِلٍ بن حجر قَالَ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.
صحيح مسلم

قال الطيبي في الكاشف قوله: ((فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)) قدم الجار والمجرور علي عامله للاختصاص، أي ليس علي الأمراء إلا ما حمله الله عليهم من العدل والتسوية، فإذا لم يقيموا بذلك فعليهم الوزر والوبال، وأما أنتم فعليكم ما كلفتم به من السمع والطاعة وأداء الحقوق، فإذا قمتم بما عليكم فالله تعالي يتفضل عليكم ويثيبكم به.

قال الشيخ العثيمين حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أمراء يسألون حقهم الذي لهم، ويمنعون الحق الذي عليهم؛ سُئل عن هؤلاء الأمراء ماذا نصنع معهم؟  أمراء يطلبون حقهم من السمع والطاعة لهم، ومساعدتهم في الجهاد، ومساعدتهم في الأمور التي يحتاجون إلى المساعدة فيها، ولكنهم يمنعون الحق الذي عليهم؛ لا يؤدون إلى الناس حقهم، ويظلمونهم ويستأثرون عليهم، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، كأنه عليه الصلاة والسلام كره هذه المسائل، وكره أن يفتح هذا الباب، ولكن أعاد السائل عليه ذلك. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نؤدي لهم حقهم، وأن عليهم ما حُملوا وعلينا ما حُملنا، فنحن حُملنا السمع والطاعة، وهم حُمِّلوا أن يحكموا فينا بالعدل وألا يظلموا أحداً، وأن يقيموا حدود الله على عباده الله، وأن يقيموا شريعة الله في أرض الله، وأن يجاهدوا أعداء الله، هذا الذي يجب عليهم، فإن قاموا به؛ فهذا هو المطلوب، وإن لم يقوموا به فإننا لا نقول لهم: أنتم لم تؤدوا الحق الذي عليكم فلا نؤدي حقكم الذي لكم، هذا حرام، يجب أن نؤدي الحق الذي علينا، فنسمع ونطيع، ونخرج معهم في الجهاد، ونصلي وراءهم في الجمع والأعياد وغير ذلك، ونسأل الله الحق الذي لنا.
وهذا الذي دلّ عليه هذا الحديث وما أقره المؤلف رحمه الله هو مذهب أهل السنة والجماعة، مذهب السلف الصالح؛ السمع والطاعة للأمراء وعدم عصيانهم فيما تجب طاعتهم فيه، وعدم إثارة الضغائن عليهم، وعدم إثارة الأحقاد عليهم، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.
حتى أن الإمام أحمد رحمه الله يضربه السلطان، ويجره بالبغال، يُضرب بالسياط حتى يغمى عليه في الأسواق، وهو إمام أهل السنة رحمه الله ورضي عنه، ومع ذلك يدعو للسلطان ويسميه أمير المؤمنين، حتى إنهم منعوه ذات يوم، قالوا له لا تحدث الناس، فسمع وأطاع ولم يحدث الناس جهراً، بدأ يخرج يميناً وشمالاً ثم يأتيه أصحابه يحدثهم بالحديث.
كل هذا من أجل ألا ينابذ السلطان؛ لأنه سبق لنا أنهم قالوا: يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال " لا ما أقاموا فيكم الصلاة". مرتين فما داموا يصلون فإننا لا ننابذهم، بل نسمع ونطيع ونقوم بالحق الذي علينا وهم عليهم ما حُمّلوا.

89--وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ عُمَرَ رَفَعَهُ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إنَّ أُمَّتَك مُفْتَتَنَةٌ مِنْ بَعْدِك، فَقُلْت: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ أُمَرَائِهِمْ وَقُرَّائِهِمْ، يَمْنَعُ الْأُمَرَاءُ النَّاسَ الْحُقُوقَ فَيُبْطِلُونَ حُقُوقَهُمْ فَيُفْتَنُونَ، وَيَتْبَعُ الْقُرَّاءُ الْأُمَرَاءَ فَيُفْتَنُونَ، قُلْت: فَكَيْفَ يَسْلَمُ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بِالْكَفِّ وَالصَّبْرِ، إنْ أُعْطُوا الَّذِي لَهُمْ أَخَذُوهُ وَإِنْ مُنِعُوهُ تَرَكُوهُ . مُسْنَدِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ

فصل في النهي عن البيعة من أجل تحصيل أمور الدنيا

90-- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ  ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}.رواه البخاري ومسلم  

91--وعنه أيضا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ ابْن السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا، لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ لَهُ. سنن بن ماجة إسناده صحيح

فصل في حكم الخروج في المظاهرات

قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : ومن الأمور المبتدعة التي تخالف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث من الصبر على ظلم و جور الولاة مسألة الخروج في المظاهرات والمسيرات والإضرابات والإعتصامات والوقفات الاحتجاجية من أجل استرداد الحقوق والمطالبة بالحرية والعدل والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والعيش في الرفاهية  تشبه بالغرب الكافر الذي لا ينطلق لا من كتاب ولا من سنة.

قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة بعد أن ضعف حديث قصة إسلام عمر بن الخطاب التي جاء فيها أنه لما أسلم قال : يا رسول الله! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: " بلى! والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم " قلت ففيما الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن! فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر ولي كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (الفاروق) ، وفرق الله بي بين الحق والباطل) .
قال الشيخ ولعل ذلك (أي تصحيح الحديث من بعض أهل العلم) كان السبب أو من أسباب استدلال بعض إخواننا الدعاة على شرعية (المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة! ولا تزال بعض الجماعات الإسلامية تتظاهر بها، غافلين عن كونها من عادات الكفار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب، وتتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ".

وقال الشيخ بن باز رحمه الله تعالى : ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شرا عظيما على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم.
ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالنصيحة مني لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه، وفي خطبته، وفي مكاتباته، وفي جميع تصرفاته حول الدعوة، يحرص على الرفق مع كل أحد إلا من ظلم، وليس هناك طريق أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة، وهم الأئمة، وقد صبروا، صبر نوح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وصبر هود، وصبر صالح، وصبر شعيب، وصبر إبراهيم، وصبر لوط، وهكذا غيرهم من الرسل ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم.
فلك أيها الداعية أسوة في هؤلاء الأنبياء والأخيار، ولك أسوة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي صبر في مكة وصبر في المدينة على وجود اليهود عنده والمنافقين ومن لم يسلم من الأوس والخزرج حتى هداهم الله، وحتى يسر الله إخراج اليهود، وحتى مات المنافقون بغيظهم، فأنت لك أسوة بهؤلاء الأخيار فاصبر وصابر واستعمل الرفق ودع عنك العنف، ودع كل سبب يضيق على الدعوة ويضرها ويضر أهلها. واذكر قوله تعالى يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} الآية.

وسأل الشيخ العثيمين رحمه الله عن حكم المظاهرات في الشرع فأجاب :
عليك باتباع السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف. لقاء الباب المفتوح
و قال في سؤال أخر ابتلينا في بلادنا بمن يرى بجواز المظاهرات في إنكار المنكر، فإذا رأوا منكراً معيناً تجمعوا وعملوا مظاهرة ويحتجون أن ولي الأمر يسمح لهم بمثل هذه الأمور؟ الشيخ: أولاً: إن المظاهرات لا تفيد بلا شك، بل هي فتح باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي تُسرق وتسرق، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما يكون فيها نساء أحياناً فهي منكر ولا خير فيها، ولكن ذكروا لي أن بعض البلاد النصرانية الغربية لا يمكن الحصول على الحق إلا بالمظاهرات، والنصارى والغربيون إذا أرادوا أن يفحموا الخصومة تظاهروا فإذا كان مستعملاً وهذه بلاد كفار ولا يرون بها بأساً ولا يصل المسلم إلى حقه أو المسلمون إلى حقهم إلا بهذا فأرجو ألا يكون به بأس، أما في البلاد الإسلامية فأرى أنها حرام ولا تجوز، وأتعجب من بعض الحكام إن كان كما قلت حقاً أنه يأذن فيها مع ما فيها من الفوضى، ما الفائدة منها، نعم ربما يكون بعض الحكام يريد أمراً إذا فعله انتقده الغرب مثلاً وهو يداهن الغرب ويحابي الغرب، فيأذن للشعب أن يتظاهر حتى يقول للغربيين: انظروا إلى الشعب تظاهروا يريدون كذا، أو تظاهروا لا يريدون كذا، فهذه ربما تكون وسيلة لغيرها ينظر فيها، هل مصالحها أكثر أم مفاسدها؟ السائل: كذا منكر حصل، فعملت المظاهرة فنفع. الشيخ: لكنها تضر أكثر، وإن نفعت هذه المرة ضرت المرة الثانية. لقاء الباب المفتوح

باب ما جاء في النهي عن سب الولاة والدعاء عليهم

92-- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَوْنَا عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ.
 السلسلة الصحيحة 491 والسنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها للداني في (المتوفى: 444هـ) والتمهيد و الاستذكار لابن عبد البر

93وفي رواية عنه قال : قَالَ: نَهَانَا كُبْرَاؤُنا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَنَا: لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ ولا تُبْغِضُوهم وَلَا تَغْشَوْهُمْ وَلَا تَعْصُوهُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ . جود إسناده الألباني في الظلال: 1015-847 وقال: رجاله ثقات.

قال الشيخ عبد المحسن العباد: ففي هذا الأثر اتفاق أكابر أصحاب رسول الله  على تحريم الوقيعة في الأمراء بالسب.
وهذا النهي منهم – رضي الله عنهم – ليس تعظيماً لذوات الأمراء وإنما لعظم المسئولية التي وكلت إليهم في الشرع، والتي لا يقام بها على الوجه المطلوب مع وجود سبهم والواقعية فيهم، لأن سبهم يفضي إلي عدم طاعتهم في المعروف وإلي إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضي التي لا تعود على الناس إلا بالشر المستطير ،كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج عليهم وقتالهم وتلك الطامة الكبرى والمصيبة العظمي.
سلسلة دروس في شرح سنن أبي داود

94-- وعن زياد بن كسيب العدوى، قال : كنت مع أبي بكرة تحت منبر عَبْدُ الله بنُ عَامِرِ بنِ كَرِيزِ الأموي وهو يخطب يَوْمَ جُمُعَةٍ وعليه ثياب رقاق وكان وليا على البصرة في زمن خلافة عثمان رضي الله عنه ، فقال أبو بلال : انظر إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق ! فقال أبو بكرة : اسكت، سمعت رسول الله  يقول : من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله.
حسنه  الشيخ الألباني – رحمه الله – في ( السلسلة الصحيحة ) (196) و صحيح سنن الترمذي.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: أبو بلال هذا هو مرداس ابن أدية، خارجي. وقال ابن الأثير في تاريخه أَبُو بِلَالٍ مِرْدَاسٌ كَانَ عَابِدًا مُجْتَهِدًا عَظِيمَ الْقَدْرِ فِي الْخَوَارِجِ، وَشَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ فَأَنْكَرَ التَّحْكِيمَ، وَشَهِدَ النَّهْرَوَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ، وَكَانَتِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا تَتَوَلَّاهُ.

وقال الطيبي في الكاشف قوله : (ثياب الفساق) يحتمل أن تكون ثياباً محرمة من الحرير والديباج؛ لأن الغالب منها أن تكن رقاقاً، وأن لا تكون محرمة لكن لما كان لبس الثياب الرقاق من دأب المتنعمين لا المتقشفين، نسبه إلي الفسق تغليظاً، والظاهر هذا؛ لأن أبا بكرة رده بقوله: (من أهان سلطان الله) يعني تفسيقك إياه بسبب لبسه هذه الثياب التي يصون بها عزته ليس بحق؛ لأن المعنى من أهان من أعزه الله وألبسه خلع السلطنة، أهانه الله، و (في الأرض) متعلق بـ (سلطان الله) تعلقها في قوله تعالي: {إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} والإضافة في (سلطان الله) إضافة تشريف كبيت الله.

وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح (المتوفى:1014هـ)وَلَعَلَّ الِاعْتِرَاضَ الْوَارِدَ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ نَصِيحَةً تَتَضَمَّنُ فَضِيحَةً، يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ صَرِيحَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُمَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لُبْسُ ثِيَابِ الرِّقَاقِ مِنْ دَأْبِ الْمُتَنَعِّمِينَ نَسَبَهُ إِلَى الْفِسْقِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ رَقَّ ثَوْبُهُ رَقَّ دِينُهُ (فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» أَيْ أَذَلَّ حَاكِمًا بِأَنَّ أَذَاهُ، أَوْ عَصَاهُ (أَهَانَهُ اللَّهُ). انتهى

95-- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: إن أول نفاق المرء طعنة على إمامه .البيهقي- شعب الإيمان.

96-- وعن أبي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ قال: إِنَّهُ مُؤَمَّرٌ عَلَيْكَ مِثْلُكَ، فَإِنِ اهْتَدَى فَاحْمَدِ اللَّهَ، وَإِنْ عَمِلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَادْعُ لَهُ بِالْهُدَى، وَلَا تُخَالِفْهُ فَتَضِلَّ . صححه الألباني في كتابه  ظلال الجنة في تخريج السنة لان أبي عاصم 

97-- وسمع ابن سيرين رجلاً يسبّ الحجاج، فأقبل عليه فقال له : مهْ أيها الرجل، فإنك لو قد وافيت الآخرة، كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج، واعلم أن الله تعالى حَكَمٌ عَدْلٌ، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه، فسوف يأخذ للحجاج ممن ظلمه، فلا تشغلن نفسك بسب أحد . سير أعلام التابعين، وانظر: سير أعلام النبلاء ، وحلية الأولياء .

98-- وقَالَ أَبِو إِسْحَاقَ: مَا سَبَّ قَوْمٌ أَمِيرَهُمْ إِلَّا حُرِمُوا خَيْرَهُ  . أخرجه ابن عبد البر في  التمهيد (294) والداني في كتاب السنن الواردة في الفتن

99-- وعَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ، قَالَ: إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أَمِيرٌ، فَأَمَرَكَ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَقَدْ حَلَّ لَكَ أَنْ تُصَلِّيَ خَلْفَهُ، وَحُرِّمَ عَلَيْكَ سَبُّهُ . الأموال لابن زنجويه

100-- وقَالَ أَبَو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ: إِيَّاكُمْ وَالطَّعْنَ عَلَى الْأَئِمَّةِ؛ فَإِنَّ الطَّعْنَ عَلَيْهِمْ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لَيْسَ حَالِقَةُ الشَّعْرِ، إِلَّا أَنَّ الطَّعَّانِينَ هُمُ الْخَائِبُونَ، وَشِرَارُ الْأَشْرَارِ. الأموال لابن زنجويه

101-- وعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: سَبُّ الْإِمَامِ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: حَالِقَةُ الشَّعْرِ، وَلَكِنْ حَالِقَةُ الدِّينِ . الأموال لابن زنجويه

102-- وقال الفضيل بن عياض : لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة اللالكائي

103-- وقَالَ احمد بن حَنْبَلٌ : وَإِنِّي لَأَدْعُو لَهُ بِالتَّسْدِيدِ،وَالتَّوْفِيقِ، فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالتَّأْيِيدِ، وَأَرَى لَهُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيَّ. السنة للخلال
104-- وقالَ بن عبد البر في التمهيد: إِنْ لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ نُصْحَ السُّلْطَانِ فَالصَّبْرُ وَالدُّعَاءُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ.

105-- وعَنْ عَرِيفٍ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَى الْأُمَرَاءِ زَكَّيْنَاهُمْ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ دَعَوْنَا اللَّهَ عَلَيْهِمْ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ ذَلِكَ النِّفَاقَ . السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها للداني

106-- وَوَقع عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ دخل قوم على بن عُمَرَ فَوَقَعُوا فِي يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ أَتَقُولُونَ هَذَا فِي وُجُوهِهِمْ قَالُوا بَلْ نَمْدَحُهُمْ وَنُثْنِي عَلَيْهِمْ  وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَ أتيت بن عُمَرَ فَقُلْتُ إِنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَئِمَّتِنَا هَؤُلَاءِ فَيَتَكَلَّمُونَ فِي شَيْءٍ نَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ فَنُصَدِّقُهُمْ فَقَالَ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا فَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ عِنْدَكُمْ. فتح الباري

ثالثا باب ما جاء في الأمر بمناصحة الولاة  باللين والحكمة

قال الله تعالى مخاطبا موسى وهارون (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (44) سورة طه

قال الحافظ بن كثير في تفسيره : هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا عِبْرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُوَ أَنَّ فِرْعَوْنَ فِي غَايَةِ الْعُتُوِّ وَالِاسْتِكْبَارِ، وَمُوسَى صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ إِذْ ذَاكَ، وَمَعَ هَذَا أُمِرَ أَلَّا يُخَاطِبَ فِرْعَوْنَ إِلَّا بِالْمُلَاطَفَةِ وَاللِّينِ.
ثم قال وَالْحَاصِلُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ – أي السلف - أَنَّ دَعْوَتَهُمَا لَهُ تَكُونُ بِكَلَامٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ، لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ وَأَنْجَعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الْآيَةَ [النَّحْلِ: 125] .

وقال الشيخ عبد الرحمان السعدي في تفسيره: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، {لَعَلَّهُ} بسبب القول اللين {يَتَذَكَّرُ} ما ينفعه فيأتيه، {أَوْ يَخْشَى} ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} فإن في هذا الكلام من لطف القول وسهولته وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل. انتهى

107-- وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَة الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ ُ قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ  . صحيح مسلم

قال ابْنِ الأثِيرْ فأما النصح لله: فهو صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته. وأما النصح لنبيه: فهو التصديق لنبوته، والطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، وإخلاص العمل في إتباعه. وأما النصح لأئمة المسلمين: فهو أن يطيعهم في الحق، ولا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا. وأما النصح لعامة المسلمين: فهو إرشادهم للحق، وتعريف جاهلهم وتقويم مائلهم، والأمر بالمعروف فيهم، والنهي عن المنكر بينهم، وغير ذلك مما ندب الشرع إليه، وحث عليه،وافترضه وسنه.الشَّافِي فيْ شَرْح مُسْنَد الشَّافِعي لابْنِ الأثِيرْ

وقال الإمام النووي(المتوفى: 676هـ) وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ وأمرهم به وتنبيهم وَتَذْكِيرُهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ وَإِعْلَامُهُمْ بِمَا غَفَلُوا ع.33َنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنَ النَّصِيحَةِ لَهُمُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَأَدَاءُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَةٍ وَأَنْ لَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ.

وقال بن عبد البر في التمهيد: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مِنَ الدِّينِ النُّصْحَ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا أَوْجَبَ مَا يَكُونُ فَكُلُّ مَنْ وَاكَلَهُمْ وَجَالَسَهُمْ وَكُلُّ مَنْ أَمْكَنَهُ نُصْحَ السُّلْطَانِ لَزِمَهُ ذَلِكَ إِذَا رَجَا أَنْ يُسْمَعَ مِنْهُ ....وسُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَيَأْتِي الرَّجُلُ إِلَى السُّلْطَانِ فَيَعِظُهُ وَيَنْصَحُ لَهُ وَيَنْدُبُهُ إِلَى الْخَيْرِ فَقَالَ إِذَا رَجَا أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا فَرَّ مَنْ فَرَّ مِنَ الْأُمَرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْصَحَ لَهُمْ وَلَا يُغَيِّرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَسْلَمَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ.
وَقَدْ كَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يُشَدِّدُ فِي هَذَا فَيَقُولُ رُبَّمَا دَخَلَ الْعَالَمُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَعَهُ دِينُهُ فَيَخْرُجُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ يَمْدَحُهُ فِي وَجْهِهِ وَيُصَدِّقُهُ فِي كَذِبِهِ وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ لَا تَأْتِهِمْ فَإِنْ أَتَيْتَهُمْ فَاصْدُقْهُمْ قَالَ وَأَنَا أَخَافُ أَلَّا أَصْدُقَهُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ نُصْحَ السُّلْطَانِ فَالصَّبْرُ وَالدُّعَاءُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ.

وقال بن بطال المالكي وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فهي على قدر الجاه والمنزلة عندهم، فإذا أمن من ضرهم فعليه أن ينصحهم، فإذا خشي على نفسه فحسبه أن يغير بقلبه، وإن علم أنه لا يقدر على نصحهم فلا يدخل عليهم، فإنه يغشهم ويزيدهم فتنة ويذهب دينه معهم.

قال الزرقاني في شرح الموطئ : (وَ أَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ) ، وَهُوَ الْإِمَامُ، وَنُوَّابُهُ بِمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ، وَطَاعَتِهِ فِيهِ، وَأَمْرِهِمْ بِهِ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ، وَإِعْلَامِهِمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ، وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، وَبِتَأَلُّفِ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ، وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ، وَالْجِهَادِ مَعَهُمْ، وَأَدَاءِ الصَّدَقَاتِ لَهُمْ، وَأَنْ لَا يُطْرُوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ، وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ، وَقِيلَ: هُمُ الْعُلَمَاءُ، فَنَصِيحَتُهُمْ قَبُولُ مَا رَوَوْهُ، وَتَقْلِيدُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ. انتهى

فصل في أن النصيحة للحاكم لا تكون إلا سرا ومن غير تشهير ولا فضيحة

108-- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا يَعْنِي: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ. متفق عليه

109-- وعن عَبْدُ اللَّهِ ابن مسعود قال : قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ  بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، قُلْتُ: أَمَّا أَنَا لَأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ» متفق عليه

قال النووي رحمه الله  : قولهم فساررته ( فيه التأدب مع الكبار، وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه، ولا يجاهرون فقد يكون في المجاهرة به مفسدة ) . شرح صحيح مسلم

110-- وعَنْ أبِى وَائِلٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فِيمَا يَصْنَعُ؟ فَقَالَ أتَرُوْنَ أنِّى لا أكُلِّمُهُ إلا أسْمِعُكُمْ؟ وَاللهِ، لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ، ما دُونَ أنْ أفْتَتِح أمْرًا لا أحِبُّ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ. متفق عليه

قال القاضي عياض رحمه الله : قوله بعد: دون أن أفتح باباً لا أحب أن أكون أول مَنْ فتحه : يعنى في المجاهرة  بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده.
وفيه التلطف مع الأمراء، وعرض ما ينكر عليهم سراً، وكذلك يلزم مع غيرهم من المسلمين ما أمكن ذلك، فإنه أولى بالقبول وأجدر بالنفع، وأبعد لهتك الستر وتحريك الأنفة.

و قال الحافظ بن حجر في الفتح وَجَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيمَا أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ تَوْلِيَةِ أَقَارِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتُهِرَ
ثم قال الحافظ وَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ الْأُمَرَاءِ وَالْأَدَبِ مَعَهُمْ وَتَبْلِيغِهِمْ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمْ لِيَكُفُّوا وَيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ بِلُطْفٍ وَحُسْنِ تَأْدِيَةٍ بِحَيْثُ يَبْلُغُ الْمَقْصُود من غير أذية للْغَيْر.

111-- وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ قَالَ: مَا فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ. قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْأَزَارِقَةَ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ، قَالَ: قُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ وَيَفْعَلُ بِهِمْ وَيَفْعَلُ بِهِمْ؟ قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: وَيَحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ - مَرَّتَيْنِ - إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَائْتِهِ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ وَإِلَّا فَدَعْهُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ. حديث حسن أخرجه أحمد 19415 الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين. أبو عبد الله الداني

112--. وعن عمر بن الخطاب  رضي الله عنه أنه قال : عَنِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ بَعْضِ عُمَّالِهِ شَيْءٌ، فَجَمَعَهُمْ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: أَيَّتُهَا الرَّعِيَّةُ، إِنَّ لِلرُّعَاةِ عَلَيْكُمْ حَقًّا: الْمُنَاصَحَةُ بِالْغَيْبِ، وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى الْخَيْرِ، أَلَا وَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ عَادِلٍ وَرِفْقِهِ، وَلَا جَهْلَ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَهْلِ إِمَامٍ جَائِرٍ وَخَرْقِهِ، وَمَنْ يَأْخُذْ بِالْعَافِيَةِ فِيمَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ يُعْطَ الْعَافِيَةَ مِنْ فَوْقِهِ . تاريخ المدينة لابن شبة (المتوفى: 262هـ) وأخرجه هناد بن السري في (( الزهد )) (205) [كنز العمال 14334]

113-- وعن سعيد بن حبير قال : قلت لابن عباس آمر إمامي بالمعروف ؟ فقال ابن عباس ( إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تغتب إمامك ). وهذا أثر صحيح. أخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وابن أبي الدنيا والبيهقي

114-- وعَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ:(جَلَدَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ صَاحِبَ دَارِيَا حِينَ فُتِحَتْ، فَأَغْلَظَ لَهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ الْقَوْلَ حَتَّى غَضِبَ عِيَاضٌ , ثُمَّ مَكَثَ لَيَالِيَ، فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ هِشَامٌ لِعِيَاضٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا أَشَدَّهُمْ عَذَابًا لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا؟ "، فَقَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ: يَا هِشَامُ بْنَ حَكِيمٍ، قَدْ سَمِعْنَا مَا سَمِعْتَ، وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ , أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ). وفي رواية: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ نَصِيحَةٌ لِذِي سُلْطَانٍ) (فلَا يُكَلِّمُهُ بِهَا عَلَانِيَةً) صححه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: 2246
(وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُو بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ؟ "، وَإِنَّكَ يَا هِشَامُ لَأَنْتَ الْجَرِيءُ , إِذْ تَجْتَرِئُ عَلَى سُلْطَانِ اللَّهِ، فَهَلَّا خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ فَتَكُونَ قَتِيلَ سُلْطَانِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟).  أخرجه احمد 15369 والحاكم والبيهقي و صححه الألباني في كتابه  ظلال الجنة في تخريج السنة لان أبي عاصم   1096: 1098   قال: فالحديث صحيح بمجموع طرقه. والله أعلم.

قال العلامة السندي في حاشيته على مسند أحمد  : نصيحة السلطان ينبغي أن تكون في السر، لا بين الخلق .

 قال بن برجس وفي القصة التي وردت بين الصحابيين الجليلين هشام بن حكيم بن حزام وعياض بن غنم أبلغ رد على من أستدل بإنكار هشام بن حكيم علانية على السلطان، أو بإنكار غيره من الصحابة، إذ إن عياض بن غنم أنكر عليهم ذلك وساق النص القاطع للنزاع الصريح في الدلالة وهو قوله  : ( من أراد ا، ينصح لذي سلطان، فلا يبده علانية )، فما كان من هشام بن حكيم – رضي الله عنه - إلا التسليم والقبول لهذا الحديث الذي هو غاية في الدلالة على المقصود.  والحجة إنما هي في حديث رسول الله (، لا في قول أو فعل أحد من الناس، مهما كان.
قال الشوكاني في ( السيل الجرار ) (187)  ( ينبغي لمن ظهر له غلط في بعض المسائل أن تناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. بل كما ورد في الحديث : أنه يأخذ بيده ويخلوا به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله.
وقد قدمنا : أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح والأحاديث الواردة في هذا المعني متواترة. ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ،ويعصيه في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) انتهى.

باب ما جاء في فضل نصيحة الحاكم الجائر


115-- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ  .
صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود و صحيح بن ماجة

116-- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال عرض لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  رجل عند الجمرة الأول فقال يا رسول الله أي الجهاد أفضل فسكت عنه فلما رمى الجمرة الثانية سأله فسكت عنه فلما رمي جمرة العقبة وضع رجله في الغرز ليركب قال أين السائل قال ها أنا يا رسول الله قال كلمة حق تقال عند سلطان جائر.  رواه احمد وصححه الألباني في صحيح الترغيب وصحيح ابن ماجه .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ الْجِهَادِ، لأَنَّ مَنْ جَاهَدَ الْعَدُوَّ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ رَجَاءٍ وَخَوْفٍ، لَا يَدْرِي هَلْ يَغْلِبُ أَوْ يُغْلَبُ، وَصَاحِبُ السُّلْطَانِ مَقْهُورٌ فِي يَدِهِ، فَهُوَ إِذَا قَالَ الْحَقَّ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّلَفِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ الْخَوْفِ. شرح السنة للبغوي

وَقَالَ الْمُظْهِرُ: وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ ; لِأَنَّ ظُلْمَ السُّلْطَانِ يَسْرِي فِي جَمِيعِ مَنْ تَحْتَ سِيَاسَتِهِ، وَهُوَ جَمٌّ غَفِيرٌ، فَإِذَا نَهَاهُ عَنِ الظُّلْمِ فَقَدْ أَوْصَلَ النَّفْعَ إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ، بِخِلَافِ قَتْلِ كَافِرٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ ; وَهُوَ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ ; لِأَنَّهَا تَتَبَرَّأُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَتَبْعُدُ مِنَ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْهَوْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ النَّصِيحَةِ لِلرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، وَلِأَنَّ تَخْلِيصَ مُؤْمِنٍ مِنَ الْقَتْلِ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ كَافِرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الْإِحْيَاءِ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ السُّلْطَانِ التَّعْرِيفُ وَالْوَعْظُ، وَأَمَّا الْمَنْعُ بِالْقَهْرِ ; فَلَيْسَ ذَلِكَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ الْفِتْنَةَ، وَيُهَيِّجُ الشَّرَّ، وَيَكُونُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مِنَ الْمَحْذُورِ أَكْثَرَ، وَأَمَّا التَّخَشُّنُ فِي الْقَوْلِ كَقَوْلِكُمْ: يَا ظَالِمَ يَا مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ; فَذَلِكَ إِنْ كَانَ يَتَعَدَّى شَرُّهُ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، بَلْ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، فَلَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ التَّعَرُّضُ لِلْأَخْطَارِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِهَلَاكِ الْمُهْجَةِ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ جِهَادٌ وَشَهَادَةٌ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الملا علي القاري  

قالت اللجنة الدائمة للإفتاء: معناه أن إبلاغ السلطان الظالم الحق بالمشافه أو الكتابة ونحوهما أفضل أنواع الجهاد. وهو من مناصحة ولاة الأمور في كل زمان لمن قدر عليه، مع العلم والحلم والصبر.


باب ما جاء في كيفية الإنكار على الولاة


المرتبة الأولى -- الإنكار بالقلب وذالك بمعرفة المنكر وبغضه

117-- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ  فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ «عَرَفَ» وفي رواية فمن كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ . صحيح مسلم

-- قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ فَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ فَظَاهِرَةٌ وَمَعْنَاهُ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهُ بِيَدِهِ ولَا لِسَانِهِ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ وَلْيَبْرَأْ وَأَمَّا مَنْ رَوَى فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَرَ وَلَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ إِثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ مَعْنَاهُ ولَكِنَّ الْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ لَا يأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لا يَكْرَهَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ.

المرتبة الثانية -- الإنكار باللسان وذالك بالنصح وقول كلمة الحق

118-- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا مَرْوَانُ، خَالَفْتَ السُّنَّةَ، أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ، وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: تُرِكَ ذَاكَ يَا أَبَا فُلَانٍ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هذا فلان ابن فُلَانٍ، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ . صحيح مسلم مع بعض التصرف

قال الشيخ محمد بن علي الإثيوبي الوَلَّوِي في شرح حديث أبي سعيد :
قَالَ النوويّ : وأجمع العلماء عَلَى أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإن خاف منْ ذلك عَلَى نفسه، أو ماله، أو عَلَى غيره، سقط الإنكار بيده، ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه. هذا مذهبنا، ومذهب الجماهير. وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقًا فِي هذه الحالة، وغيرها. انتهى .
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قول الجماهير هو الحقّ؛ لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "منْ رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". رواه مسلم.
 فقد رخّص الشارع فِي هذا النصّ فِي ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فعلاً، أو قولاً عند عدم الاستطاعة، فالقول بالوجوب مطلقًا مخالف لهذا النصّ.
لكن لو أخذ أحد بالعزيمة، فواجه منْ يخافه بذلك، لكان أفضل؛ لما سيأتي للمصنّف أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد وضع رجله فِي الْغَرْز: أيُّ الجهاد أفضل؟ قَالَ: "كلمة حق، عند سلطان جائر". والله تعالى أعلم بالصواب. شرح سنن النسائي المسمى «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى».

119-- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ. أخرجه الحاكم رقم  4884 انظر صَحِيح الْجَامِع: 3675 , الصَّحِيحَة: 374 (طس) 4079.

120-- وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ» قَالَ سليمان بُن دَاوُدَ: قَالَ هِشَامٌ «بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ. صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود 4760 (أ) هذا اللفظ رواه احمد 26728 - وإسناده صحيح على شرط مسلم

121-- وعنها أيضا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (سَيَكُونُ بَعْدِي خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، وسيكون بعدهم خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ فقد بَرِئَ  وَمَنْ أَمْسَكَ يَدَهُ سَلِمَ  وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ  . صححه الشيخ الألباني في صحيح ابن حبان  6660

122-- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -  فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا نَزَلَتْ هَذِهِ فِينَا , إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ لَهُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ , فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ , فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - يَشْكُونِي , فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ اقْدَمْ الْمَدِينَةَ , فَقَدِمْتُهَا , فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ , فَقَالَ لِي : إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا , فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ , وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ فَإِنَّ خَلِيلِي  أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ , وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ. صحيح البخاري

123-- وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ  وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ (لِقِتَالِ عَبْد الله بْن الزُّبَيْر , لِكَوْنِهِ اِمْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَةِ يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَة) : ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ  سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ , وَوَعَاهُ قَلْبِي , وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ) (" أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللهِ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي قِتَالِ بَنِي بَكْرٍ , حَتَّى أَصَبْنَا مِنْهُمْ ثَأرَنَا , ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بِرَفْعِ السَّيْفِ " , فَلَقِيَ رَهْطٌ مِنَّا فِي الْغَدِ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ فِي الْحَرَمِ , يَؤُمُّ  رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لِيُسْلِمَ , وَكَانَ قَدْ وَتَرَهُمْ  فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَكَانُوا يَطْلُبُونَهُ , فَبَادَرُوا  أَنْ يَخْلُصَ  إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَيَأمَنَ , فَقَتَلُوهُ , " فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا , وَاللهِ مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَبًا أَشَدَّ مِنْهُ " , فَسَعَيْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - نَسْتَشْفِعُهُمْ , وَخَشِينَا أَنْ نَكُونَ قَدْ هَلَكْنَا , " فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَامَ) (فَحَمِدَ اللهَ - عزَّ وجل - وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ , ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ , وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ  فلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا  وَلَا يَعْضِدَ  بِهَا شَجَرَةً (فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ) (لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِيهَا) (فَقَالَ: أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -)  (فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ, وَلَمْ يَأذَنْ لَكَ , وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ  ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ) (كَمَا حَرَّمَهَا اللهُ - عزَّ وجل - أَوَّلَ مَرَّةٍ) (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ هُذَيْلٍ , وَإِنِّي عَاقِلُهُ  فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ) (بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ) (فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا  أَوْ يَأخُذُوا الْعَقْلَ  (فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ: انْصَرِفْ أَيُّهَا الشَّيْخُ , فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْكَ) (إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ (سَافِكَ دَمٍ  وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ , وَلَا مَانِعَ جِزْيَةٍ , فَقُلْتُ لَه: قَدْ كُنْتُ شَاهِدًا , وَكُنْتَ غَائِبًا , " وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أَنْ يُبَلِّغَ شَاهِدُنَا غَائِبَنَا " , وَقَدْ بَلَّغْتُكَ , فَأَنْتَ وَشَأنُكَ). رواه البخاري ومسلم واحمد وجمعا الفظها صهيب عبد الجبار في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد

قال الحافظ بن حجر في الفتح قَوْله: (اِئْذَنْ لِي) فِيهِ حُسْنُ التَّلَطُّفِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى أُمَرَاءِ الْجَوْر , لِيَكُونَ أَدْعَى لِقَبُولِهِمْ النَّصِيحَةَ , وَأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُخَاطَبُ إِلَّا بَعْدَ اِسْتِئْذَانِه , وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي أَمْرٍ يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَيْهِ، فَتَرْكُ ذَلِكَ , وَالْغِلْظَةُ لَهُ , قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِثَارَةِ نَفْسِه وَمُعَانَدَةِ مَنْ يُخَاطِبهُ.   

124-- وعنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: حَجَّ الْمَهْدِيُّ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَسِتِّينَ، وَمِائَةٍ فَرَأَيْته يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَالنَّاسُ مُحِيطُونَ بِهِ يَمِينًا، وَشِمَالًا يَضْرِبُونَ النَّاسَ بِالسِّيَاطِ فَوَقَفْت فَقُلْت يَا حَسَنَ الْوَجْهِ حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيِّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي جَمْرَةَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى جَمَلٍ لَا ضَرْبَ، وَلَا طَرْدَ، وَلَا جَلْدَ، وَلَا إلَيْكَ إلَيْكَ . وَهَا أَنْتَ يُخْبَطُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْك يَمِينًا، وَشِمَالًا فَقَالَ لِرَجُلٍ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَقَالَ يَا سُفْيَانُ لَوْ كَانَ الْمَنْصُورُ مَا احْتَمَلَك عَلَى هَذَا فَقَالَ لَوْ أَخْبَرَك الْمَنْصُورُ بِمَا لَقِيَ لَقَصَّرْتَ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ، قَالَ لَك يَا حَسَنَ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَقُلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ اُطْلُبُوهُ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، وَاخْتَفَى.

المرتبة الثالثة – تغيير المنكر الصادر من الولاة باليد

125-- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ. صحيح مسلم

وقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي صِفَةِ التَّغْيِيرِ فَحَقُّ الْمُغَيِّرِ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ زَوَالُهُ بِهِ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا فَيَكْسِرَ آلَاتِ الْبَاطِلِ وَيُرِيقَ الْمُسْكِرَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْمُرَ مَنْ يَفْعَلُهُ وَيَنْزِعَ الْغُصُوبَ وَيَرُدَّهَا إِلَى أَصْحَابِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَيَرْفُقَ فِي التَّغْيِيرِ جُهْدَهُ بِالْجَاهِلِ وَبِذِي الْعِزَّةِ الظَّالِمِ الْمَخُوفِ شَرُّهُ إِذْ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِ قَوْلِهِ كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّيَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَيُغْلِظَ عَلَى الْمُتَمَادِي فِي غَيِّهِ وَالْمُسْرِفِ فِي بَطَالَتِهِ إِذَا أَمِنَ أَنْ يُؤَثِّرَ إِغْلَاظُهُ مُنْكَرًا أَشَدَّ مِمَّا غَيَّرَهُ لِكَوْنِ جَانِبِهِ مَحْمِيًّا عَنْ سَطْوَةِ الظَّالِمِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا أَشَدَّ مِنْهُ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ قَتْلِ غَيْرِهِ بِسَبَبِ كَفِّ يَدَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّبَ قَوْلُهُ مِثْلَ ذَلِكَ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ وَكَانَ فِي سَعَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ اسْتَعَانَ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِظْهَارِ سِلَاحٍ وَحَرْبٍ وَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ إِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَغْيِيرِهِ بِقَلْبِهِ هَذَا هُوَ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَصَوَابُ الْعَمَلِ فِيهَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِمَنْ رَأَى الْإِنْكَارَ بِالتَّصْرِيحِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ قُتِلَ وَنِيلَ مِنْهُ كُلُّ أَذًى.

وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم وَمَا وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْحَثِّ عَلَى جِهَادِ الْمُبْطِلِينَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ فَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ إِثَارَةُ فِتْنَةٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَسُوقٌ فِيمَنْ سَبَقَ مِنَ الْأُمَمِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ ذِكْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ.
و قال أيضا قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ بِأَصْحَابِ الْوِلَايَات , بَلْ ذَلِكَ جَائِز لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ غَيْرَ الْوُلَاةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالْعَصْرِ الَّذِي يَلِيه , كَانُوا يَأمُرُونَ الْوُلَاة بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر، مَعَ تَقْرِير الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ، وَتُرِكَ تَوْبِيخُهُمْ عَلَى التَّشَاغُل بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مِنْ غَيْر وِلَايَة , ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يَأمُرُ وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ؛ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّيْء؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَة، وَالْمُحَرَّمَاتِ الْمَشْهُورَة , كَالصَّلَاةِ , وَالصِّيَام , وَالزِّنَا , وَالْخَمْر , وَنَحْوهَا، فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ عُلَمَاءٌ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَقَائِق الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَال , وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ , لَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ مَدْخَلٌ فِيهِ، وَلَا لَهُمْ إِنْكَارُه، بَلْ ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ.


إلى أن قال وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر أَنْ يَرْفُق , لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَطْلُوب , فَقَدْ قَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -: " مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَة , فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ ".
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ - رحمه الله -: وَيَسُوغُ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَصُدَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَة , وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهَا بِقَوْلِهِ , مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إِلَى نَصْبِ قِتَالٍ وَشَهْرِ سِلَاح , فَإِنْ اِنْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ , رَبَطَ الْأَمْر بِالسُّلْطَانِ.
قَالَ: وَإِذَا جَارَ وَالِي الْوَقْت، وَظَهَرَ ظُلْمُهُ وَغَشْمُهُ، وَلَمْ يَنْزَجِرْ حِين زُجِرَ عَنْ سُوءِ صَنِيعِهِ بِالْقَوْلِ، فَلِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ التَّوَاطُؤ عَلَى خَلْعِهِ , وَلَوْ بِشَهْرِ الْأَسْلِحَة , وَنَصْبِ الْحُرُوب , هَذَا كَلَامُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ.وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ خَلْعِهِ غَرِيبٌ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُخَفْ مِنْهُ إِثَارَةُ مَفْسَدَةٍ أَعْظَم مِنْهُ.

وقال الحافظ في الفتح وَقَالَ الطَّبَرِيُّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مُطْلَقًا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَفَعَهُ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ الْحَدِيثَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَلْحَقَ الْمُنْكِرَ بَلَاءٌ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ وَقَالَ آخَرُونَ يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ بَعْدِي فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ الْحَدِيثَ قَالَ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنْ يَتَعَرَّضَ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ غَيْرُهُ يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ ضَرَرًا وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ يُؤْجَرُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مُطَاعًا وَأَمَّا إِثْمُهُ الْخَاصُّ بِهِ فَقَدْ يَغْفِرُهُ اللَّهُ لَهُ وَقَدْ يُؤَاخِذُهُ بِهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ إِلَّا مَنْ لَيْسَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ الْأَوْلَى فَجَيِّدٌ وَإلَّا فَيَسْتَلْزِمُ سَدَّ بَابِ الْأَمْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ.

وقال بن عبد البر في التمهيد : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْمُنْكَرَ وَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ عَلَى كُلِّ من قدر عليه على حسب طَاقَتِهِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْطُنَا مَا لَمْ يَكُنِ انْطِلَاقُ الدَّهْمَاءِ وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ وَلَكِنْ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُغَيِّرَ بِلِسَانِهِ إِنْ عَجَزَ عَنْ يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنِ المكروه فعليه أن يغير كما قال بْنُ مَسْعُودٍ بِحَسْبِ الْمُؤْمِنِ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا لَا يَسْتَطِيعُ لَهُ تَغْيِيرًا يَعْلَمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ كَارِهٌ .
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ الْجِهَادُ بِثَلَاثَةٍ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ فَأَوَّلُهَا الْيَدُ ثُمَّ اللِّسَانُ ثُمَّ الْقَلْبُ فَإِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا نُكِّسَ فَجُعِلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ.
وَالْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْكِيدِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَكِنَّهَا كُلَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ .

وقال بن حزم الأندلسي الظاهري (المتوفى: 456هـ) في المحلى مَسْأَلَةٌ : وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إنْ قَدَرَ بِيَدِهِ فَبِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ وَلَا بُدَّ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا إيمَانَ لَهُ.
وَمَنْ خَافَ الْقَتْلَ أَوْ الضَّرْبَ، أَوْ ذَهَابَ الْمَالِ، فَهُوَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ بِقَلْبِهِ فَقَطْ وَيَسْكُتَ عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَطْ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله:

 المرتبة الأولى وهي التغيير باليد : وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ويجلد الشارب ويقيم الحدود لأنه لو فعل لأفضى إلى الهرج والفساد. فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على وليّ الأمر.] مختصر الفتاوى المصرية ص 579.

والمرتبة الثانية هي التغيير باللسان: وتكون هذه المرتبة لمن يعجز عن التغيير باليد وينبغي أن يكون التغيير باللسان بأسلوب حسن لطيف كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل الآية 125.
وقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً موسى وهارون عليهما السلام لما أرسلهما إلى فرعون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) سورة طه الآية 44.

والمرتبة الثالثة هي الإنكار بالقلب: وهي أدنى المراتب الثلاث ولا رخصة لمسلم في تركها أبداً بل يجب على المسلم أن يبغض المنكر ويكرهه دائماً وباستمرار. وأما إذا كان القلب لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر فهذا دليل على موته.
وقال رحمه الله مبيناً قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (وذلك أضعف الإيمان) مراده: [أنه لم يبق بعد هذا الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان ليس مراده أن من لم ينكر لم يكن معه من الإيمان حبة خردل ولهذا قال: ليس وراء ذلك. فجعل المؤمنين ثلاث طبقات فكل منهم فعل الإيمان الذي يجب عليه.] مجموع الفتاوى 28/ 127.

وقال شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126هـ) في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِهِ، وَالْمُنْكَرُ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ عَنْهُ، وَقَدَّمَ الْمَعْرُوفَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا، وَأَيْضًا أَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ أَوَّلًا وَنَهَى آدَمَ بَعْدَهُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الْمَذْكُورَانِ (عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ) أَيْ انْتَشَرَ حُكْمُهُ (فِي الْأَرْضِ) لِكَوْنِهِ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا.
(وَ) كَذَا يَجِبُ (عَلَى كُلِّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ) مِنْ غَيْرِ الْحُكَّامِ (إلَى ذَلِكَ) مِمَّنْ لَهُ شَأْنٌ وَعَظَمَةٌ فِي نُفُوسِ النَّاسِ بِحَيْثُ يُمْتَثَلُ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ لِعُمُومِ آيَةِ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] لَكِنَّ نَحْوَ السُّلْطَانِ صِفَةُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ أَنْ يُعَرِّفَ الْمَأْمُورَ أَوْ الْمَنْهِيَّ بِذَلِكَ، فَإِنْ امْتَثَلَ بِمُجَرَّدِ التَّعَرُّفِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ ضَرَبَهُ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَشْهَرَ لَهُ السِّلَاحَ إنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ مَرْتَبَةٍ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ إفَادَةِ مَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ نَحْوِ السُّلْطَانِ فَإِنَّمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى بِالْقَوْلِ الْأَرْفَقِ فَالْأَرْفَقِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُكَلَّفُ عَلَى الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ بِيَدِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ سُلْطَانٍ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ نَحْوِ الْأَبِ وَالسَّيِّدِ وَالزَّوْجِ لِأَنَّ غَيْرَ مَنْ ذُكِرَ لَا يَأْمُرُ بِالْيَدِ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَدَمُ التَّمَكُّنِ شَرْعًا مِنْ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ بِالْيَدِ. (فَبِلِسَانِهِ) أَيْ فَيَأْمُرُ وَيَنْهَى بِلِسَانِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ بِلِسَانِهِ لِشِدَّةِ صَوْلَةِ مَنْ يُرَادُ أَمْرُهُ أَوْ نَهْيُهُ (فَبِقَلْبِهِ) أَيْ فَيَأْمُرُ وَيَنْهَى بِقَلْبِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِيَدِي أَوْ لِسَانِي لَفَعَلْت، وَيَبْغَضُ ذَلِكَ مَعَ تَرْكِ مُخَالَطَةِ الْمُتَلَبِّسِ بِالْمُنْكَرِ إنْ اسْتَطَاعَ.

وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم : وَأَمَّا الْإِنْكَارُ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ، فَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا لَا يَسْتَطِيعُ لَهُ غَيْرَ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ كَارِهٌ. وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنِ الْعُرْسِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا» ، فَمَنْ شَهِدَ الْخَطِيئَةَ، فَكَرِهَهَا قَلْبُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا إِذَا عَجَزَ عَنْ إِنْكَارِهَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا، كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا وَقَدَرَ عَلَى إِنْكَارِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا لِأَنَّ الرِّضَا بِالْخَطَايَا مِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَفُوتُ بِهِ إِنْكَارُ الْخَطِيئَةِ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، لَا يَسْقُطُ، عَنْ أَحَدٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.
ثم قال فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْقَلْبِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. فِي كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا الْإِنْكَارُ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ فَبِحَسَبِ الْقُدْرَةِ،
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: آمُرُ السُّلْطَانَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: إِنْ خِفْتَ أَنْ يَقْتُلَكَ، فَلَا، ثُمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَلَا أَقُومُ إِلَى هَذَا السُّلْطَانِ فَآمُرُهُ وَأَنْهَاهُ؟ قَالَ: لَا تَكُنْ لَهُ فِتْنَةٌ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ؟ قَالَ: ذَلِكَ الَّذِي تُرِيدُ، فَكُنْ حِينَئِذٍ رَجُلًا.
-- وقال أيضا وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ : «يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ» الْحَدِيثَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جِهَادِ الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ. وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ: هُوَ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ.
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقِتَالَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فَقَالَ: التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ ، وَحِينَئِذٍ فَجِهَادُ الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ أَنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، مِثْلُ أَنْ يُرِيقَ خُمُورَهُمْ أَوْ يَكْسِرَ آلَاتِ الْمَلَاهِي الَّتِي لَهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ يُبْطِلَ بِيَدِهِ مَا أَمَرُوا بِهِ مِنَ الظُّلْمِ إِنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ قِتَالِهِمْ، وَلَا مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا أَكْثَرُ مَا يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يُقْتَلَ الْآمِرُ وَحْدَهُ. 1
ثم قال وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ، فَيُخْشَى مِنْهُ الْفِتَنُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. نَعَمْ، إِنْ خَشِيَ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَى الْمُلُوكِ أَنْ يُؤْذِيَ أَهْلَهُ أَوْ جِيرَانَهُ، لَمْ يَنْبَغِ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُمْ حِينَئِذٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَدِّي الْأَذَى إِلَى غَيْرِهِ، كَذَلِكَ قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَغَيْرُهُ، وَمَعَ هَذَا، فَمَتَى خَافَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ السَّيْفَ، أَوِ السَّوْطَ، أَوِ الْحَبْسَ، أَوِ الْقَيْدَ، أَوِ النَّفْيَ، أَوْ أَخْذَ الْمَالِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذَى، سَقَطَ أَمْرُهُمْ وَنَهْيُهُمْ، وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَتَعَرَّضُ لِلسُّلْطَانِ، فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ.
ثم قال وَبِكُلِّ حَالٍ يَتَعَيَّنُ الرِّفْقُ فِي الْإِنْكَارِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِيهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ، رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بِمَا يَنْهَى، عَالِمٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَالِمٌ بِمَا يَنْهَى.
وَقَالَ أَحْمَدُ: النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إِلَى مُدَارَاةٍ وَرِفْقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا غِلْظَةٍ إِلَّا رَجُلًا مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ، فَلَا حُرْمَةَ لَهُ، قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا مَرُّوا بِقَوْمٍ يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ، يَقُولُونَ مَهْلًا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، مَهْلًا رَحِمَكُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: يَأْمُرُ بِالرِّفْقِ وَالْخُضُوعِ، فَإِنْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ، لَا يَغْضَبُ، فَيَكُونُ يُرِيدُ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ.  انتهى كتاب جامع العلوم والحكم (2/ 248)

وقال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار قَوْلُهُ: (فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ،) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ مَا يَفْعَلُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الْمَعَاصِي كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ: «فَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» وَيُمْكِنُ حَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُخْتَصًّا بِالْأُمَرَاءِ إذَا فَعَلُوا مُنْكَرًا لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ تَحْرِيمِ مَعْصِيَتِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ، فَكَفَى فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ مُجَرَّدُ الْكَرَاهَةِ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ تَظَهُّرًا بِالْعِصْيَانِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْمُنَابَذَةِ بِالسَّيْفِ.

========================================

1.قال أبو ياسر غفر الله له و لوالديه : و قد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يغيرون المنكر بأيدهم بحضرة الولاة كما فعل سعد بن عبادة في القصص التي أو ردنها عنه سابقا و كما ثبت عن غيره أيضا فعَنْ جُنْدُبٍ الْبَجَلِيِّ، أَنَّهُ قَتَلَ سَاحِرًا كَانَ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ , ثُمَّ قَالَ: أَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟  رواه البيهقي في السنن الكبرى  16501 والدارقطني في السنن 3205
وروى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّ سَاحِرًا، كَانَ يَلْعَبُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَكَانَ يَأْخُذُ السَّيْفَ وَيَذْبَحُ نَفْسَهُ وَيَعْمَلُ كَذَا وَلَا يَضُرُّهُ فَقَامَ جُنْدُبٌ إِلَى السَّيْفِ فَأَخَذَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ثُمَّ قَرَأَ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}.قال الشيخ الألباني في الضعيفة وهذا إسناد صحيح موقوف.
وله طريق أخرى عند البيهقي عن ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود: أن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، وكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح به، فيقوم خارجا، فيرتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله، يحيى الموتى! ورآه رجل من صالح المهاجرين، فنظر إليه، فلما كان من الغد، اشتمل على سيفه فذهب يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه، فقال: إن كان صادقا فليحي نفسه! وأمر به الوليد دينارا صاحب السجن - وكان رجلا صالحا -فسجنه، فأعجبه نحو الرجل، فقال: أتستطيع أن تهرب؟ قال: نعم، قال: فاخرج لا يسألني الله عنك أبدا . قال الشيخ الألباني في الضعيفة: وهذا إسناد صحيح
وقد أخرجه الحاكم من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن: أن أميرا من أمراء الكوفة دعا ساحرا يلعب بين يدي الناس فبلغ جندب، فأقبل بسيفه، واشتمل عليه، فلما رآه ضربه بسيفه، فتفرق الناس عنه، فقال: أيها الناس لن تراعوا، إنما أردت الساحر فأخذه الأمير فحبسه. فبلغ ذلك سلمان،  فقال: بئس ما صنعا! لم يكن ينبغي لهذا وهو إمام يؤتم به يدعو ساحرا يلعب بيد يديه ولا ينبغي لهذا أن يعاتب أميره بالسيف. قال الشيخ الألباني في الضعيفة: وهذا إسناد موقوف صحيح إلى الحسن.
 --------------------------------------------------------------

وقال الملا علي القاري وَخُلَاصَةُ الْكَلَامِ: مَنْ أَبْصَرَ مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ (فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ) أَيْ: بِأَنْ يَمْنَعَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكْسِرَ الْآلَاتِ وَيُرِيقَ الْخَمْرَ وَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ إِلَى مَالِكِهِ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ: التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ وَإِزَالَتَهُ بِالْفِعْلِ، لِكَوْنِ فَاعِلِهِ أَقْوَى مِنْهُ (فَبِلِسَانِهِ) أَيْ: فَلْيُغَيِّرْهُ بِالْقَوْلِ وَتِلَاوَةِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ، وَذِكْرِ الْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ وَالنَّصِيحَةِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ: التَّغْيِيرَ بِاللِّسَانِ أَيْضًا (فَبِقَلْبِهِ) : بِأَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَيُنْكِرَ فِي بَاطِنِهِ عَلَى مُتَعَاطِيهِ، فَيَكُونُ تَغْيِيرًا مَعْنَوِيًّا إِذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرِ مِنَ التَّغْيِيرِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَلْيُنْكِرْهُ بِقَلْبِهِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ لَا يُتَصَوَّرُ بِالْقَلْبِ، (وَذَلِكَ) أَيِ: الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ.

وقال الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله فهذا الحديث خطاب لجميع الأمة وهو دال على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة، وأن إنكاره بالقلب لابد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر فقد هلك، كما قال ابن مسعود – عندما سمع رجلاً يقول : هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر -، قال ابن مسعود : هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر .
وقال العلامة ابن رجب  رحمه الله شارحاً هذا الأثر :يشير إلي أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك
وقد ذهب بعضهم إلي أن الإنكار باليد للولاة ومن قاربهم ، وبالقول للعلماء  وهذا القول ضعيف إذ هو تخصيص بلا مخصص، فالإنكار باليد لكل من قدر عليه من المسلمين.  ولعل قائل هذا القول إنما أتي من تلازم السيف واليد في ذهنه ففرق هذا التفريق حذراً من الوقوع في المحظور وهو التغيير بالخروج على ولاة الأمر، وليس كذلك.
قال الإمام أحمد في – رواية صالح - :  التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح وقال المروذي :  قلت لأبي عبد الله كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: باليد واللسان، وبالقلب وهو أضعف قلت: كيف باليد قال: يفرق بينهم . قال : ورأيت عبد الله مر على صبيان الكتاب يقتتلون ففرق بينهم . فعموم الحديث يقضي بمشروعية الإنكار باليد لمن قدر عليه، كمن استطاع أن يكسر مزماراً أو أن يطمس صورة ونحو ذلك. لكن هذا مشروط بشرط منها : ألا يفضي إنكاره هذا إلي منكر اشد منه، وأن لا يكون الإنكار باليد مما اختص السلطان به شرعاً كإقامة حد، أو شهر سيف، ونحو ذلك.
قال ابن الجوزي – رحمه الله تعالي - :   الضرب باليد والرجل وغير ذلك وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح أو سيف يجوز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة  .
وقال ابن الأزرق في  بدائع السلك في طبائع الملك عندما ذكر أن من المخالفات الإفتيات على ولي الأمر، قال : ومن أعظمه فساد تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان .
وهذا كله فيما إذا كان صاحب المنكر غير السلطان، فإن كان السلطان ( فليس لأحد منعه بالقهر باليد، ولا أن يشهر عليه سلاحاً، أو يجمع عليه أواناً لأن في ذلك تحريكاً للفتن وتهييجاً للشر، وإذهاباً لهيبة السلطان من قلوب الرعية وربما أدي ذلك إلي تجريهم على الخروج عليه وتخريب البلاد، وغير ذلك مما لا يخفي. قال ابن النحاس. وقد قال الإمام أحمد – رحمه الله - : لا يتعرض للسلطان، فإن سيفه مسلول .
قال ابن مفلح في  الآداب الشرعية : ولا ينكر أحد على سلطان إلا واعظاً له وتخويفاً أو تحذيراً من العاقبة في الدنيا والآخرة فإنه يجب، ويحرم بغير ذلك. ذكره القاضي، وغيره.
قال ابن النحاس في كتابه  تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، وتحذير السالكين من أفعال الهالكين: ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رأس الأشهاد بل يود لو كلمة سراً ونصه خفية من غير ثالث لها.

قال الشيخ بن برجس رحمه الله: لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين :
أحدهما : الخوارج والمعتزلة، والذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً.
والأخرى : الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة.
وكلا الطائفتين بمعزل عن الصواب وبمنأى عن صريح السنة والكتاب. ووفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث – إلي عين الهدى والحق، فذهبوا إلي وجوب إنكار المنكر، ولكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة، وكان عليها سلف هذه الأمة. ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكرات، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس لما ينجم على ذلك – غالباً – من تأليب العامة  وإثارة الرعاع، وإشعال الفتن. وهذا ليس من دأب أهل السنة والجماعة بل سبيلهم ومنهجهم جمع قلوب الناس على ولاتهم والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة سراً ،والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعل، كالتحذير من الزني عموماً ومن الربا عموماً، ومن الظلم عموماً، ونحو ذلك . معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق