إغلاق الطرقات البدعية على من يروج للشبهات الخارجية التكفيرية
هذه بعض الشبهات التي يتمسك بها الخوارج التكفريون
مثل الإخوان المسلمون – القاعدة - داعش
كتبه أفقر العباد الى ربه أبو ياسر محمد بن قاسم العرائشي
بسم الله الرحمان الرحيم
و الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
الشبهة 1
-- عن حذيفة بن اليمان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ
بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي،
وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ
إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ
ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ،
وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ». صحيح مسلم
------------------------------------------------------------------------------------------
قال أبو
ياسر غفر الله له و لوالديه و هذه الرواية عند مسلم حاول كثير ممن يرى جواز الخروج
على الحكام تضعيفها وردها مستندين إلى كلام للدارقطني في تضعيفها جاء في نصه.
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني في كتاب(التتبع) (1/182 : (وأخرج مسلم حديث معاوية بن سلام عن زيد عن أبي سلام قال : قال حذيفة :
((كنا بشر فجاءنا الله بخير)) وهذا عندي مرسل, أبو سلام لم يسمع من حذيفة, ولا من
نظرائه الذين نزلوا العراق, لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي الله عنه بليال, وقد
قال فيه : ((قال حذيفة)) فهذا يدل على إرساله.
قال الإمام النووي قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا عِنْدِي مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا سَلَّامٍ لَمْ
يَسْمَعْ حُذَيْفَةَ وَهُوَ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَكِنَّ الْمَتْنَ
صَحِيحٌ متصل بالطريق الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا أَتَى مُسْلِمٌ بِهَذَا مُتَابِعَةً
كَمَا تَرَى وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْحَدِيثَ
الْمُرْسَلَ إِذَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مُتَّصِلًا تَبَيَّنَّا بِهِ صِحَّةَ
الْمُرْسَلِ وَجَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ
صَحِيحَانِ. المنهاج شرح صحيح
مسلم بن الحجاج
وقال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة
وقد أعل بالانقطاع، وقد وصله الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 162 /
2 /3039) من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبيه
عن جده عن حذيفة بالزيادة التي في الطريق الأخرى والسابعة والعاشرة.
قال أبو
ياسر غفر الله له و لوالديه و هذه بعض الطرق التي صححها أهل العلم لهذه الرواية
رواية : « فَإِنْ
رَأَيْتَ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فَالْزَمْهُ
وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ وَإِنْ لَمْ تَرَ خَلِيفَةً فَاهْرُبْ
حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ» أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين
وصححه ووافقه الذهبي و البزار في البحر
الزخار) من طرق وهو صحيح، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها
وفوائدها (6/ 539) (2739) وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في
الأمة (13/ 847) (6381)
وفي رواية : « إِنْ
لَقِيتَ لِلَّهِ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَالْزَمْهُ، وَإِنْ ضَرَبَ
ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، وَإِلَّا فَاهْرُبْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَأْتِيَكَ
الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ» كتاب الفتن لنعيم بن حماد (1/ 144) (357) صحيح
وفي رواية : «سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ
بِسُنَّتِي، وَسَتَكُونُ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي أَجْسَادِ
الْإِنْسِ» قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ
وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ الْأَعْظَمِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَاسْمَعْ
وَأَطِعْ» أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط وهو صحيح لغيره.
ونقل الأخ جمال البليدي عن الشيخ محمد بن كمال بن خالد السيوطي في كتابه البيان
الواضح لمذهب السلف الصالح. وفقة مع كتاب ثورة 25 يناير لممدوح جابر" عبر موقع منتديات أنصار الدعوة
السلفية
كلام يفند فيه هذه الشبهة فقال بعد أن رد على الشبهة الأولى :
الشبهة الثانية
فإن قيل : المتن لا يتقوى بهذه
الطرق, والصحيح منها طريق أبي سلام عن حذيفة وهو مرسل كما قال الدارقطني.
فالجواب من وجوه :
الأول : أن المتن إن لم يتقوَّ بالطرق السابقة فيتقوى بما رواه البيهقي في
((الكبرى)) (16405) وابن أبي شيبة في((المصنف)) (33711) والخلال في((السنة))(54)
والآجري في((الشريعة)) (71) وأبو عمرو الداني في ((السنن الواردة في الفتن)) (143)
وابن زنجويه في((الأموال)) (30) من طرق عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة
قال : ((قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أبا أمية, لعلك
إن تخلف بعدي, فأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا, إن ضربك فاصبر, وإن أمرك فاصبر,
وإن حرمك فاصبر, وإن ظلمك فاصبر, وإن أمرك بأمر ينقص دينك فقل : سمعا وطاعة, دمي
دون ديني)) وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
فيقال حينئذ : هذا المرفوع الضعيف يتقوى بهذا الموقوف الصحيح.
فيقال حينئذ : هذا المرفوع الضعيف يتقوى بهذا الموقوف الصحيح.
الثاني : أن الإمام أحمد رحمه الله جزم بنسبة المتن للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك فيما رواه حنبل ابن إسحاق عنه في كتابه((ذكر محنة الإمام أحمد)) (ص70) والخلال في ((السنة)) (ص90) قال : ((في ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله أبو بكر بن عبيد وإبراهيم بن علي المطبخي وفضل بن عاصم فجاءوا إلى أبي عبد الله, فاستأذنت لهم , فقالوا : يا أبا عبد الله, هذا الأمر قد تفاقم وفشا-يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك- فقال لهم أبو عبد الله : فما تريدون؟ قالوا : أن نشاروك في أنا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه, فناظرهم أبو عبد الله ساعة وقال لهم : عليكم بالنكرة بقلوبكم, ولا تخلعوا يدا من طاعة, ولا تشقوا عصا المسلمين, ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم, انظروا في عاقبة أمركم, واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر, ودار في ذلك كلام كثير لم أحفظه, ومضوا ودخلتُ أنا وأبي علي أبي عبد الله بعدما مضوا, فقال أبي عبد الله : نسأل الله السلامة لنا ولأمة محمد, وما أحب لأحد أن يفعل هذا, وقال أبي : يا أبا عبد الله, هذا عندك صواب؟ قال : لا هذا خلاف الآثار التي أمرنا فيها بالصبر, ثم ذكر أبو عبد الله قال : قال النبي : إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ, وَإِنْ, وَإِنْ فَاصْبِرْ)) فأمر بالصبر, قال عبد الله بن مسعود....و ذكر كلاما لم أحفظه.
فأنت ترى-أراك الله الخير- أن الإمام أحمد يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ)) جازمًا بنسبة المتن للنبي صلى الله عليه وسلم, فإما أنه يرى صحة طريق حذيفة كما رآه مسلم, وإما يرى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضًا , وإما أنه وقف على طرق أخرى, أو شواهد تثبت المتن عنده, وإلا فإنه لن يجزم بنسبة المتن للنبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو يقطع بصحة هذه النسبة.
الثالث : أن معنى هذا الحديث موافق لمعاني الكتاب والسنة, ليس مخالفا لهما, فإن
قوله في الحديث :
((تَسْمَعُ وَ تُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ جُلِدَ ظَهْرُكَ
وَ أُخِذَ مَالُكَ)
ليس مخالفا لقوله :(فَإِنْ أَمَرَ بِمَعْصِيَة
فَلاَ سَمْعَ وَلا طَاعَة فإن الأمير إذا أخذ مالك, أو جلد ظهرك فليس هذا بمعصية
أمرك بها, وإنما معصية قام هو بفعلها. كما لو شرب الخمر أو لعب الميسر, وقد أُمرت
بالصبر على هذا, أما لو أمرك فقال لك : اشرب الخمر, فهنا لا سمع ولا طاعة, فلو قال
لك : اضرب فلانا ظلما وعدوانا, فهنا أمرك بمعصية , فلا سمع ولا طاعة حينئذ, أما
إذا ضربك فهو لم يأمرك, وإنما فعل هو المعصية, فيبقى الأمر بالسمع والطاعة.
الرابع : أنه ليس في الحديث ما يُسْتشكل أمره, أو يُستبشع ذكره, ولا يهولنك قوله((وَإِنْ أُخِذَ مَالُكَ وَ جُلِدَ ظَهْرُكَ)), فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهما على السبيل التمثيل لبيان عدم سقوط السمع والطاعة بما هو دون الكفر, وإلا فإن قوله صلى الله عليه وسلم : ((إْلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا)) صريح في بيان أن المنابذة لا تكون إلا مع الكفر, وما كان دون الكفر-مهما عظم أمره- فلا تباح المنابذة, بل يجب السمع والطاعة, وليس أخذ الأموال , ولا جلد الأبشار كفرًا, فلا تثبت به المنابذة, ولا يسقط به السمع والطاعة.
قلت : فإذا تبين أن معنى الحديث موافق للمعلوم من الكتاب والسنة, ليس مخالفًا لهما فهو حينئذ إذا لم يذكر على سبيل الاحتجاج, لذُكر على سبيل الاعتضاد, لأن معناه موافق للكتاب والسنة ليس مخالفا لهما, فلو لم يكن صحيحا لم يمنع هذا من ذكره وروايته في جملة أدلة أهل السنة والجماعة في منع الخروج, لموافقة معناه لمعانيها, ثم إن أهل العلم تلقوه بالقبول, وما زالوا يروونه خلفا عن سلف, ويردون به على الخوارج وغيرهم, وقد احتج به شيخ الإسلام في((منهاج السنة)) في عدة مواضع, فمثل هذا لو فرض أن أبا سلام قاله من تلقاء نفسه, وكان معناه صحيحًا ليس معارضًا للكتاب والسنة, والعلماء ما زالوا يروونه ويتداولونه, لم يمنع هذا من روايته وذكره عند ذكر مذهب أهل السنة في أئمة الجور.
وهذا كله مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يرد على من أنكر عليه رواية حديث : لاَ يُسْتَغَاثُ بي, وَ لَكِنْ يُسْتَغَاثُ بِالله.
الخامس : أن تحريم الخروج على أئمة الجور كأصل من أصول أهل السنة والجماعة أمر ثابت دلت عليه الأحاديث الكثيرة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ((الصحيحين)) وغيرهما, فلو ثبت ضعف حديث حذيفة بن اليمان, أو وهائه فليس هذا بمسقط لهذا الأصل بل إسقاط أصل لسقوط دليل واحد من أدلته هو عين الجهل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الصفدية))(1/115) : ((وغاية أحدهم أن ينفي الشيء لانتفاء دليل معين وهذا غاية الجهل.
قلت : لأن الحكم إذا بني على عدة أدلة وسقط أحدهما بقي الحكم كما هو, بخلاف ما لو ثبت الحكم بدليل واحد ثم تبين ضعف الدليل, فحينئذ يسقط الحكم, ولما كان هذا الأصل ثابتا بنصوص كثيرة فلا يضيره ضعف أحدهما, أو عدمه بالكلية.
الشبهة الثالثة
فإن قيل : فقد أمر النبي صلى الله
عليه وسلم بمقاتلة من قاتلك يريد أخذ مالك, كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عليه وسلم فَقَالْ :
يَا رَسٌولَ اللهِ, أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيُد أَخْذَ مَالِي؟ قَالْ :
(فَلا تٌعْطِهِ مَاَلكَ). قَالْ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالْ :
(قَاتِلْهُ). قَالْ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي, قَالْ : (فَأَنْتَ شَهِيدْ).
قَالْ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهْ؟ قَالْ : هُوَ فِي النََّارِ.
فالجواب أن هذا الحديث لا يعارض من
وجهين :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن مقاتلة السلطان إلا إذا كفر,
وهو إذا أخذ مالك وجلد ظهرك لا يكون كافرا بذلك, فتكون منهيا عن مقاتلته, وهذا
استثناء له من عموم الحديث.
الثاني : أن العلماء متفقون على استثناء السلطان من هذا الحديث, ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في ((فتح الباري) في شرح حديث : (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (6/300) قال : ((قال ابن المنذر : والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل, وإلا كل من يُحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان, للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام له)).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالته((الأدلة على بطلان الاشتراكية)) (ص47) : ((ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ((وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَ أُخِذَ مَالُكَ)) دليل على أن هذا الحديث مخصص لما سبق من الأحاديث التي تدل على الإذن بقتال من أراد أخذ المال من صاحبه, والحكمة في ذلك ما يلزم من الضرر العظيم بقتال الإمام, والشرع الحكيم لا يدفع أخف المفسدتين بأعلاهما, وإنما يدفع أعلاهما بأخفهما, وهذا مقتضى العقل والحكمة.
انتهى الكلام في الرد على هذه الشبهة.
الشبهة 2
-- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عُبَادَةَ
قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: اسْمَعْ وَأَطِعْ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ،
وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ، وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ،
وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ وَلَا تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ
تَكُونَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ بَوَاحًا . (صحيح ابن حبان الألباني 4543
(صحيح الظلال) (1026) (الصحيحة) (3418).
وفي رواية «مَا لَمْ يَأْمُرُوكَ بِإِثْمٍ
بَوَاحًا» .
وفي رواية «إِلَّا أَنْ يَأْمُرُوكَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ
بَوَاحًا ».
قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه :
ووجه الشبهة في هذا الحديث أنهم يقولون أن الولاة إذا عملوا أو أمروا بمعصية الله
فلا سمع لهم ولا طاعة و يجوز منازعتهم و الخروج عليهم.
والجواب عن هذه الشبهة بهاذين الأثرين .
قَالَ خُضَيْرٌ لِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَقَدْ
حَدَّثَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَرَأَيْتَ إِنْ أَطَعْتُ أَمِيرِي فِي كُلِّ مَا
يَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ يُؤْخَذُ بِقَوَائِمِكَ فَتُلْقَى فِي النَّارِ وَلْيَجِئْ
هو فَيُنْقِذكَ . مسند الشاميين للطبراني 225 والاستذكار لابن عبد البر.
وقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، لِجُنَادَةَ أَبِي أُمَيَّةَ: «يَا
جُنَادَةُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِالَّذِي لَكَ وَالَّذِي عَلَيْكَ؟ إِنَّ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ
وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَفِي الْأَثَرَةِ عَلَيْكَ، وَأَنْ
تَدَعَ لِسَانَكَ بِالْقَوْلِ، وَأَلَّا تُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ
اللَّهِ بَرَاحًا، فَإِنْ أُمِرْتَ بِخِلَافِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ
فَاتَّبِعْ كِتَابَ اللَّهِ». [الجامع - معمر بن راشد20687]
قال أبو ياسر: فكما تري في هاذين الأثرين فأن غاية ما فهمه هذا الصحابي الجليل من هذا
الحديث الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التحذير من طاعة الولاة إذا
أمروا بمعصية الله وليس فيه أي رخصة في جواز منازعة ولاة الأمور والخروج عليهم كما
يفهمه البعض . انتهى
الشبهة 3
-- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: سَيَلِي أُمُورَكُمْ بَعْدِي - أمراء يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون- ، يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ، وَيَعْمَلُونَ
بِالْبِدْعَةِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ كَيْفَ أَفْعَلُ؟ قَالَ: تَسْأَلُنِي يَا
ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ تَفْعَلُ ؟ لَا
طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ قَالَهَا
ثَلَاثًا .
صحيح ابن ماجة (2865) (2314) و صحيح أبي داود (458) والسلسلة الصحيحة 590. مع بعض التصرف.
قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : وجوابا
على هذه الشبهة أقول :
قال بن رجب الحنبلي في جامعه قال إبراهيم النخعي : كان ابن مسعود رضي الله عنه يصلي مع
الأمراء في زمن عثمان وهم يؤخرون بعض التأخير، ويرى أنهم يتحملون ذلك.
وإنما كان يفعل ذلك في أيام إمارة الوليد بن عقبة على
الكوفة في زمن عثمان، فإنه كان أحيانا يؤخر الصلاة عن أول وقتها. انتهى كلام بن رجب.
وقد كان رضي الله عنه يعمل بالحديث الذي سمعه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم،في الصلاة مع الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. روى
مسلم عَنِ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللهِ يَعْنِي
ابْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ قَالَ: صَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟ [يعني هل صَلَّى هَؤُلَاءِ الأمراء بالناس] قُلْنَا: لَا، فَقَالَ: قُومُوا فَصَلُّوا،
فَلَمْ يَأْمُرْنَا
بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ
عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا،
وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرِقِ الْمَوْتَى، يَعْنِي آخِرَ الْوَقْتِ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا،
وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً.
وثبت عنه أنه كان يصلى خلف
الوليد بن عقبة الذي كان يؤخر الصلاة عن وقتها وكان يشرب الخمر حتى أنه صلى بهم
مرة الصبح أربعا ثم قال أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة .
1.
روى النسائي في السنن الكبرى
، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ صَلَّى بِأَهْلِ الْكُوفَةِ صَلَاةَ الصُّبْحِ
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ، قَالَ: فَشَهِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ
عُثَمَانَ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُثْمَانَ: أَقِمْ عَلَيْهِ
الْحَدَّ، قَالَ: دُونَكَ ابْنَ عَمِّكَ فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، قَالَ: قُمْ
يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَاجْلِدْهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَجْلِدُهُ
وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ.
وكذالك ثبت عنه رضي الله عنه أنه في أحد المرات صلى
بالناس جماعة في المسجد ولم ينتظر الأمير،لأنه تأخر عن الصلاة تأخيرا فاحشا حتى
كاد يخرج وقتها.
روى الإمام أحمد في مسنده أَنَّ الْوَلِيدَ
بْنَ عُقْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ بِالْكُوفَةِ فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ
مَسْعُودٍ فَثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
الْوَلِيدُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ أَجَاءَكَ مِنْ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ أَمْرٌ فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ أَمِ ابْتَدَعْتَ الَّذِي صَنَعْتَ؟
قَالَ: لَمْ يَأْتِنَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرٌ، وَمَعَاذَ اللهِ أَنْ
أَكُونَ ابْتَدَعْتُ أَبَى الله عَلَيْنَا ورسله أَنْ نَنْتَظِرَكَ فِي صَلَاتِنَا
وَأَنْتَ فِي حَاجَتِكَ.2 وقد رجح بعض العلماء أن هذه الصلاة التي صلاها بن
مسعود رضي الله عنه ولم ينتظر الإمام كانت صلاة جمعة لذالك أبى أن ينتظره.
ولما ضاق الناس ضرعا بأفعال هذا الأمير جاؤوا إلى عبد
الله بن مسعود ينكرون سيرته وأفعاله ،وينتظرون فتواه فيه. فماذا كان جوابه لهم.
َ قَالَ
طَارِقِ بن شِهَابٍ :
جَاءَ عَتْرِيسُ بن عُرْقُوبٍ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ
- رضي الله عنه - فَقَالَ : هَلَكَ مَنْ
لَمْ يَأمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ , فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:
بَلْ هَلَكَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ الْمَعْرُوفَ , وَيُنْكِرْ قَلْبُهُ
الْمُنْكَرَ .3
وقد جاء هذا الرجل إلى بن مسعود ينكر عليه عدم تغييره
هذه المنكرات التي تصدر من هذا الأمير فأجابه بما سمعت.
وعن زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ قَالَ: لَمَّا أَنْكَرَ النَّاسُ سِيرَةَ الْوَلِيدِ
بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَزِعَ النَّاسُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُمْ : اصْبِرُوا؛ فَإِنَّ جَوْرَ إِمَامٍ خَمْسِينَ عَامًا
خَيْرٌ مِنْ هَرْجِ شَهْرٍ .4
قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه :
فهذا الآثار المروية عن هذا الصحابي الجليل تبين لنا كيف كان فهمه لهذا الحديث
الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمن عصى الله) فلم
يفهم منه جواز الخروج على الأمراء أو منازعتهم سلطانهم أو نقض بيعتهم أو تغيير المنكر الذي صدر منهم بالعنف والقوة
كما يفهمه البعض ولكن فهم منه أنه لا طاعة لهم في شيء فيه معصية الله مع السمع
والطاعة لهم في المعروف وقد روى
البخاري قصة تبين كيف كان منهاج هذا الصحابي في معاملة الولاة َفعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ يَزِيدَ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه -
بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ , فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي
الله عنه - فَاسْتَرْجَعَ , ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ , وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه
- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ , وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله
عنه - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ
تَفَرَّقَتْ بِكُمْ الطُّرُقُ , فَلَوَدِدْتُ أَنْ لِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ,
رَكْعَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعًا , فَقِيلَ لَهُ :
اسْتَرْجَعْتَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أَرْبَعًا؟ , قَالَ: الْخِلَافُ شَرّ. وفي هذا كله طاعة ولي الأمر، وعدم شق عصا طاعته
ومنابذته، وحرمة إثارة الناس عليه ومنازعته، فابن مسعود يعلم أن السنة القصر،
والإتمام جائز، ومع ذلك لما رأى أمير المؤمنين عثمان بن عفان يتم أتم معه، ولم
يعتزل الأمير، ولم يثر عليه الناس، بل دعا إلى الصلاة خلفه والإتمام معه، لما يعلم
من أضرار مخالفة ولي الأمر، وما يكون بعدها من الفساد العريض، وقال - رضي الله عنه
- قولته التي تنم عن علم وبصيرة، وحكمة وروية: " الخلاف شر "، فهو يكره
الخلاف والنزاع، ويبغض المشاقة ونزع يد الطاعة، وفي قوله وعمله دعوة لغيره كي
يقتفوا أثره ويسيروا على نهجه.
وقال الأمير
الصنعاني (المتوفى:
1182هـ) (فلا طاعة لمن عصى الله عَزَّ وَجَلَّ) قيل فيه وفيما قبله إعلام بأنه لا
ينعزل الإِمام بالجور ولا الفسق ولا يجوز الخروج عليه بذلك إلا أنه لا يطاع فيما
أمر به من المعاصي . التَّنويرُ
شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ انتهى
======================================
1. ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الوليد: أن قصة صلاته بالناس الصبح أربعا
مشهورة مخرجة وابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية
2. رواه أحمد والطبراني والبيهقي في دلائل النبوة ومصنف بن أبي شيبة وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود الأم و في الثمر المستطاب.
3. رواه
الطبري 8564 , وصححه الألباني في تخريج الطحاوية ص275.
4. روه الطبراني (المتوفى: 360هـ) في المعجم الكبير و بن عساكر (المتوفى: 571هـ) في تاريخ دمشق و الهيثمي في مجمع الزوائد. قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ. وقال الهيثمي 5/ 222: فيه: وهبُ الله بن رزق ولم
أعرفه وبقية رجاله ثقات.وقال الذهبي في تاريخ الاسلام وهْب الله بن رزق، أبو
هُريرة المِصْريُّ. [الوفاة: 241 - 250 ه]لم يذكره ابن يونس في تاريخه.سَمِعَ:
بِشْر بن بكر التِّنِّيسيّ، ويحيى بن بُكَيْر، وعبد الله بن يحيى المَعَافِريّ،
وغيرهم.
وَعَنْهُ: أَبُو بَكْر بْن
أَبِي دَاوُد، ومحمد بن عبد الله بن عُرْس شيخ الطَّبَرانيّ.
الشبهة 4
-- وعَنْ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ أَقْبَلَ عُبَادَةُ
بْنُ الصَّامِتِ حَاجًّا مِنَ الشَّامِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ , فَأَتَى عُثْمَانَ
بْنَ عَفَّانَ متظلِّماً فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ , أَلَا أُخْبِرُكَ شَيْئًا
سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى ,
قُلْتُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا تَعْرِفُونَ
وَيَعْمَلُونَ مَا تُنْكِرُونَ , فَلَيْسَ لِأُولَئِكَ عَلَيْكُمْ طَاعَةٌ
. هذا الحديث أخرجه ابن أبى شيبة (7/526، رقم 37721) .
و البخارى في التاريخ الكبير (1/458) و المسند للشاشي 1326 والحاكم في المستدرك على الصحيحين 5531 - وسكت عنه
الذهبي في التلخيص.
قال الحافظ بن حجر في المطَالبُ العَاليَةُ بِزَوَائِدِ المسَانيد الثّمَانِيَةِ: الحديث
بهذا الإسناد ضعيف من أجل جهالة سعيد بن عبد الرحمن الأعشى، قال الهيثمي في
"المجمع" (5/ 227): "رواه الطبراني وفيه الأعشى بن عبد الرحمن لم
أعرفه، وبقية رجاله ثقات". قلت: هو معروف ولكن لم أجد فيه توثيقًا
معتبرًا فهو مجهول الحال. ويشهد له ويرفعه إلى درجة الحسن إن شاء الله ورود
الحديث بسياق آخر ضمن قصة طويلة بين معاوية و سعد رضي الله عنهما. و هي التي سأوردها لاحقا
قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : وجوابا عن هذه الشبهة أقول قال الحافظ في
الإصابة في ترجمة عبادة بن الصامت : ولعبادة
قصص متعددة مع معاوية وإنكاره عليه أشياء وفي بعضها رجوع معاوية له وفي بعضها
شكواه إلى عثمان منه تدل على قوته في دين الله وقيامه في الأمر بالمعروف. انتهى
كلام الحافظ قلت: والقصص التي ذكرها الحافظ وجدت منها أربع أحاديث .
القصة الاولى:
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: (كُنْتُ بِالشَّامِ
فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ , فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ , قَالَ:
قَالُوا: أَبُو الْأَشْعَثِ , أَبُو الْأَشْعَثِ , فَجَلَسَ , فَقُلْتُ لَهُ:
حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ, قَالَ: نَعَمْ, غَزَوْنَا)
(أَرْضَ الرُّومِ) (وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ - رضي الله عنه - فَغَنِمْنَا
غَنَائِمَ كَثِيرَةً , فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ , فَأَمَرَ
مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ , فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ)
(فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ
يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ
بِالدَّنَانِيرِ ,وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ) (وَكَانَ بَدْرِيًّا
, وَكَانَ بَايَعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يَخَافَ فِي اللهِ
لَوْمَةَ لَائِمٍ)وجَمَعَ الْمَنْزِلُ بَيْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،
وَمُعَاوِيَةَ، إِمَّا فِي كَنِيسَةٍ وَإِمَّا فِي بِيعَةٍ، (فَقَامَ فَقَالَ:)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّكُمْ تَاكُلُونَ الرِّبَا , سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:) (" أَلَا إِنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ
, تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَإِنَّ
الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ , تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا) (لَا
زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا نَظِرَةَ (وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ,
مُدْيٌ بِمُدْيٍ , وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ , مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالْمِلْحُ
بِالْمِلْحِ , مُدْيٌ بِمُدْيٍ) وفي رواية: (وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرَ
بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ ,
وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ, مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ, يَدًا بِيَدٍ (فَمَنْ زَادَ
أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ
أَرْبَى (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ
الْأَصْنَافُ , فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ, إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) وفي رواية:
(بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ , وَبِيعُوا
الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ, وَبِيعُوا الشَّعِيرَ
بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) (وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا. (فَرَدَّ
النَّاسُ مَا أَخَذُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ
مُعَاوِيَةَ , فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ
عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ
وَنَصْحَبُهُ , فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ؟ , فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ
فَأَعَادَ الْقِصَّةَ , ثُمَّ قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ , أَوْ قَالَ: وَإِنْ
رَغِمَ , مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ)
(فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ , لَا أَرَى الرِّبَا فِي هَذَا
إِلَّا مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ فَقَالَ
عُبَادَةُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتُحَدِّثُنِي
عَنْ رَايِكَ؟ , لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللهُ , لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لَكَ
عَلَيَّ فِيهَا إِمْرَةٌ فَلَمَّا قَفَلَ
لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -:
مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ , فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ,وَمَا قَالَ
مِنْ مُسَاكَنَتِهِ , فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِكَ ,
فَقَبَّحَ اللهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ , وَكَتَبَ إِلَى
مُعَاوِيَةَ: لَا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ , وَاحْمِلْ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ ,
فَإِنَّهُ هُوَ الْأَمْرُ . وساق القصة مسلم و روى البخاري وأبو داود و ابن ماجة والدارمي و
الثرمذي والنسائي أطرافا منها و قد جمعها
الشيخ صهيب عبد الجبار في الكتاب الجامع الصحيح للسنن والمسانيد
القصة الثانية :
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، مَرَّتْ عَلَيْهِ قِطَارَةٌ وَهُوَ بِالشَّامِ
تَحْمِلُ الْخَمْرَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ أَزَيْتٌ؟ قِيلَ: لَا بَلُ خَمْرٌ
تُبَاعُ لِفُلَانٍ , فَأَخَذَ شَفْرَةً مِنَ السُّوقِ فَقَامَ إِلَيْهَا وَلَمْ
يَذَرْ مِنْهَا رَاوِيَةً إِلَّا بَقَرَهَا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ
بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ فُلَانٌ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَلَا تُمْسِكْ
عَنَّا أَخَاكَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ: إِمَّا بِالْغَدَوَاتِ فَيَغْدُو إِلَى
السُّوقِ فَيُفْسِدُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَتَاجِرَهُمْ، وَإِمَّا
بِالْعَشِيِّ فَيَقْعُدُ بِالْمَسْجِدِ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ إِلَّا شَتْمُ
أَعْرَاضِنَا وَعَيْبُنَا فَأَمْسِكْ عَنَّا أَخَاكَ، فَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ
يَمْشِي حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُبَادَةَ فَقَالَ: يَا عُبَادَةُ مَا لَكَ
وَلِمُعَاوِيَةَ؟ ذَرْهُ وَمَا حَمَلَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {تِلْكَ أُمَّةٌ
قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134]. 1 قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي الله
عنه - لِأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّكَ لَمْ
تَكُنْ مَعَنَا إِذْ بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "
إِنَّا بَايَعْنَاهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ،
وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
, وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ فِي اللهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى , وَلَا نَخَافَ لَوْمَةَ لَائِمٍ فِيهِ وَعَلَى أَنْ نَنْصُرَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ عَلَيْنَا يَثْرِبَ، فَنَمْنَعُهُ
مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَزْوَاجَنَا وَأَبْنَاءَنَا , وَلَنَا
الْجَنَّةُ، فَهَذِهِ بَيْعَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي
بَايَعْنَا عَلَيْهَا، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ
أَوْفَى بِمَا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفَّى اللهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -
" فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ - رضي الله عنه - إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -
رضي الله عنه -: إنَّ عُبَادَةَ قَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ الشَّامَ وَأَهْلَهُ،
فَإِمَّا تُكِنُّ إِلَيْكَ عُبَادَةَ
وَإِمَّا أُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ
رَحِّلْ عُبَادَةَ حَتَّى تُرْجِعَهُ إِلَى دَارِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَبَعَثَ
بِعُبَادَةَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فِي الدَّارِ ,
وَلَيْسَ فِي الدَّارِ غَيْرُ رَجُلٍ مِنْ السَّابِقِينَ , أَوْ مِنْ
التَّابِعِينَ قَدْ أَدْرَكَ الْقَوْمَ، فَلَمْ يَفْجَأ عُثْمَانَ إِلَّا وَهُوَ
قَاعِدٌ فِي جَنْبِ الدَّارِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا عُبَادَةَ بْنَ
الصَّامِتِ , مَا لَنَا وَلَكَ؟ ,فَقَامَ عُبَادَةُ بَيْنَ ظَهْرَيْ النَّاسِ ,
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَلِي
أُمُورَكُمْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُونَكُمْ مَا تُنْكِرُونَ , وَيُنْكِرُونَ
عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ , فلَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى " فلا تعتلوا بربكم . 2 فَوَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ أُولَئِكَ ، فَمَا رَاجَعَهُ عُثْمَانُ
حَرْفًا . 3…….
1.رواه الشاشي في مسنده والبزار في مسنده 2. رواه احمد 22821 وبن عساكر في تاريخ دمشق (المتوفى: 571هـ)و الحاكم في المستدرك و قال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ و صحح الألباني حديث النبي انه سيلي أموركم دون ذكر القصة انظر حديث رقم: 2397 3672 في صحيح الجامع و السلسلة الصَّحِيحَة:
590 .3 . رواه الشاشي في مسنده رواه الحاكم في المستدرك وسكت عنه الذهبي في
التلخيص.
قال الحافظ بن حجر في المطَالبُ العَاليَةُ بِزَوَائِدِ المسَانيد الثّمَانِيَةِ: وجميع طرق
الحديث السابقة لا تخلو من مقال ولكنها بمجموعها تتعاضد وترتفع إلى درجة الحسن إن
شاء الله، ويقوى بها حديث الباب، والله أعلم.
قال السندي: قوله "فلا تعتلوا بربكم"، من الاعتلال، أي: فلا تطيعوهم في
المعاصي معتلين بإذن ربكم بأن أذن لكم في ذلك، فإنه ما أذن لكم بذلك، والله تعالى
أعلم.
القصة الثالثة :
عَنْ
يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ
قَالَ: ذَكَرَ مُعَاوِيَةُ الْفِرَارَ مِنَ الطَّاعُونِ فِي خُطْبَتِهِ، فَقَالَ
عُبَادَةُ: أُمُّكَ هِنْدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَأَتَمَّ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ صَلَّى،
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُبَادَةَ، فَنَفَرَتْ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ،
فَاحْتَبَسَهُمْ، وَدَخَلَ عُبَادَةُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَلَمْ تَتَّقِ
اللَّهَ وَتَسْتَحِي إِمَامَكَ؟ فَقَالَ عُبَادَةُ: أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي
«بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ
الْعَقَبَةِ، إِنِّي لَا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» ، ثُمَّ خَرَجَ
مُعَاوِيَةُ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَخَذَ بِقَائِمَةِ
الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي ذَكَرْتُ لَكُمْ حَدِيثًا عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ فَسَأَلْتُ،
فَإِذَا الْحَدِيثُ كَمَا حَدَّثَنِي عُبَادَةُ، فَاقْتَبِسُوا مِنْهُ، فَهُوَ
أَفْقَهُ مِنِّي . رواه
الطبراني في المعجم الأوسط وإسحاق بن راهويه في مسنده و بن حجر في الإصابة في
تمييز الصحابة و
في المطَالبُ العَاليَةُ بِزَوَائِدِ المسَانيد الثّمَانِيَةِ
القصة الرابعة :
عن
عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ
قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ مَعَ مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان في عسكره
فَأَذَّنَ يَوْماً فَقَامَ خَطِيْبٌ يَمْدَحُ مُعَاوِيَةَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ
فَقَامَ عُبَادَةُ بِتُرَابٍ فِي يَدِهِ فَحَشَاهُ فِي فَمِ الخطيب فغضب معاوية.
وَقَالَ: مَنْ لِي مِنْكَ يَا عُبَادَةُ رَأَيْتَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَيَّ
فَحَثَوْتَ فِي فِيهِ التُّرَابَ. فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ: إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ
مَعَنَا حِيْنَ بَايَعْنَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالعَقَبَةِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا
وَمَكْسَلِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَلاَّ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ
نَقُوْمَ بِالحَقِّ حَيْثُ كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ
المداحين فاحثوا في أفواههم التراب".رواها
الذهبي في سير
أعلام النبلاء و الدولابي في الكنى والأسماء (المتوفى: 310هـ) وبن
عساكر في تاريخ دمشق.
قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : فهذه
القصص الأربعة المنقولة من سيرة هذا
الصحابي الجليل تبين لنا انه كان شديدا في الحق يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر
خصوصا مع عمال الخليفة الذين كان يرى منهم بعض المخالفات ولكن هذه الشدة لا تعني
أنه كان يرى الخروج عليهم ومنازعتهم سلطانهم كما يريد بعض الجهال إيهام الناس به
عند لاستدلال بمثل هذه الأحاديث . انتهى
الشبهة 5
-- وعن أنس بن مالك، أَنَّ مُعَاذًا قَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ لَا يَسْتَنُّونَ
بِسُنَّتِكَ، وَلَا يَأْخُذُونَ بِأَمْرِكَ، فَمَا تَأْمُرُ فِي أَمْرِهِمْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا طَاعَةَ
لِمَنْ لَمْ يُطِعِ اللهَ " . صحيح
الجامع الصغير وزياداته 7521
قال أبو ياسر غفر الله له ولوالديه : وجوابا عن
هذه الشبهة أقول:
قال المناوي في كتابه فيض القدير شرح
الجامع الصغير (المتوفى: 1031هـ): (لا طاعة لمن لم يطع الله) في
أوامره ونواهيه وفي رواية لأحمد أيضا لا طاعة لمن عصى الله فإذا أمر الإمام
بمعصية فلا سمع ولا طاعة كما هو نص حديث البخاري أنه لا يجب ذلك بل يحرم على
من قدر على الامتناع.
وقال العَلاَّمَةُ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَم (المتوفى: 273هـ) تلميذ الإمام أحمد في كتابه ناسخ الحديث ومنسوخه: فاختلفت هذه الأحاديث في
ظاهرها، فتأول فيها أهل البدع ، فأما أهل السنة: فقد وضعوها
مواضعها، ومعانيها كلها متقاربة عندهم، وأما أهل البدع فتأولوا في بعض هذه الأحاديث مفارقة الأئمة
والخروج عليهم ، والوجه فيها أن هذه الأحاديث يفسر بعضها بعضاً، ويصدق
بعضها بعضاً.
فأما حديث أبي هريرة الأول الذي ذكر فيها من أطاع الإِمام
فقد فسره حديث أبي هريرة الثاني الذي قال فيه: من أطاع أميري ثم بين أنه أيضاً لم
يخص أميره إذا أمر بغير طاعة الله، لأنه حين بعث عبد الله بن حذافة فأمرهم أن
يقحموا النار فرجعوا إليه فأخبروه فقال: من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوا.
وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه قد قال فيه: فليطعه
ما استطاع فقد جعل له فيه ثنيا، وإنما يريد الطاعة في المعروف وحديث أم الحصين قد
اشترط فيه يقودكم بكتاب الله.وحديث علي رضي الله عنه قد فسره حين قال: إنما الطاعة
في المعروف وحديث ابن عمر أيضاً مفسر أنه إنما أوجب الطاعة ما لم يؤمر بمعصية وكذلك
حديث أبي سعيد وأما حديث ابن مسعود، وأنس فهما اللذان تأولهما أهل البدع
فقالوا: ألا تراه يقول لا طاعة لمن عصى الله عز وجل، فإذا عصى الله لم يطع في شيء،
وإن دعا إلى طاعة.
وإنما يرد المتشابه إلى المفسر، فما جعل هذا على
ظاهره أولى بالاتباع من تلك الأحاديث بل إنما يرد هذا إلى ما بيّن معناه فقوله:
"لا طاعة لمن عصى الله "، إنما يريد أنه لا يطاع في معصية كسائر
الأحاديث. ثم قال بعد أن نقل الأحاديث
المعارضة للأحاديث الصحيحة التي تحض على الصبر وعدم الخروج الحكام فبين ضعفها
وأنها لا تصلح للاستدلال في هذا الأمر .ثم قال ثم تواترت الأحاديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم فكثرت عنه، وعن الصحابة والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون
بالكف، ويكرهون الخروج، وينسبون من خالفهم في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب
الحرورية وترك السنة.
َوقَالَ ابْن بطال: احْتج بهذه الأحاديث الْخَوَارِج فَرَأَوْا الْخُرُوج على
أَئِمَّة الْجور وَالْقِيَام عَلَيْهِم عِنْد ظُهُور جَوْرهمْ، وَالَّذِي عَلَيْهِ
الْجُمْهُور: أَنه لَا يجب الْقيام عَلَيْهِم عِنْد ظُهُور جَوْرهمْ وَلَا خلعهم
إلاَّ بكفرهم بعد إِيمَانهم، أَو تَركهم إِقَامَة الصَّلَوَات، وَأما دون ذَلِك من
الْجور فَلَا يجوز الْخُرُوج عَلَيْهِم إِذا استوطن أَمرهم وَأمر النَّاس مَعَهم،
لِأَن فِي ترك الْخُرُوج عَلَيْهِم تحصين الْفروج وَالْأَمْوَال وحقن الدِّمَاء،
وَفِي الْقيام عَلَيْهِم تفرق الْكَلِمَة، وَلذَلِك لَا يجوز الْقِتَال مَعَهم لمن
خرج عَلَيْهِم عَن ظلم ظهر مِنْهُم. عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني العينى
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ
الْخُرُوجِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَمُنَابَذَتِهِمْ السَّيْفَ وَمُكَافَحَتِهِمْ
بِالْقِتَالِ بِعُمُومَاتٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ
الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَاهَا
أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، وَهِيَ مُتَوَافِرَةُ الْمَعْنَى
كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَنَسَةٌ بِعِلْمِ السُّنَّةِ. انتهى
الشبهة 6
-- عن أم
الحصين
الأَحْمَسِيَّةِ قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ فقال قولا
كثيرا ، ثم سمعته وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
اللَّهَ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإن أُمِّرَ عليكم عبد حَبَشِيٌّ
أسود مجدّع الأطراف كأن رأسه زبيبة يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له
وأطيعوا. صحيح مسلم و صحيح أبي داود
وفي رواية: (فسمعوا له مَا قادكم بكتاب الله). صحيح سنن ابن ماجه وصححه الألباني في كتاب السنة للابن أبي عاصم
وفي رواية: (مَا أَقَامَ بِكُمْ كِتَابَ الله). وصححه الألباني في كتاب السنة للابن أبي عاصم 1063.
وفي رواية: (مَا أَقَامَ لَكُمْ كِتَابَ اللَّهِ) . صحيح سنن الترمذي 1706 – صحيح ابن ماجة (2861).
وفي رواية: (مَا
أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ). أخرجه أحمد 27268
وفي رواية: (مَا أَقَامَ لَكُمْ دِينَ اللَّهِ) . مسند إسحاق بن راهويه
قال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم : وقوله " اسمع وأطع وإن كان عبداً حبشياً
مُجَدَّع الأطراف ": الجدع: القطع وإنما أشار بهذا الوصف إلى أدنى العبيد
السود، ووحشهم ووغدهم لاستعمالهم في الرعية للإبل وغليظ الخدمة، فقد تنقطع أصابع
أرجلهم من خشونة الأرض وشديد الأعمال، على طريق المبالغة في طاعة الأمراء كيف ما
كانوا من شرف أو ضعة.
وفى قوله في آخر الحديث: " يقودكم بكتاب الله
" تفسير لما تقدم؛ إذ الطاعة في هذا فيما لم يخالف أمر الله.
وقال أيضا : يقودكم بكتاب الله أي بالإسلام وحكم كتاب
الله وإن جار.
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم : يَقُودُنَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مَا
دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالْإِسْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ
وَأَخْلَاقِهِمْ وَلَا يُشَقُّ عَلَيْهِمُ الْعَصَا بَلْ إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُمُ
الْمُنْكَرَاتُ وُعِظُوا وَذُكِّرُوا.
وقال الحافظ بن حجر في شرحه لصحيح البخاري : وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَائِدَتَانِ
تَعْيِينُ جِهَةِ الطَّاعَةِ وَتَارِيخُ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ
عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ كَأَنَّ رَأْسَهُ
زَبِيبَةٌ قِيلَ شَبَّهَهُ بِذَلِكَ لِصِغَرِ رَأْسِهِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي
الْحَبَشَةِ وَقِيلَ لِسَوَادِهِ وَقِيلَ لِقِصَرِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَتَفَلْفُلِهِ
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الْعَبْدِ أَنَّهُ إِذَا
أُمِرَ بِطَاعَتِهِ فَقَدْ أَمر بِالصَّلَاةِ خَلفه قَالَه بن بَطَّالٍ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ جِهَةِ
مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ أَنَّ الْأَمِيرَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى
الْإِمَامَةَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ
مِنَ الْقِيَامِ عَلَى السَّلَاطِينِ وَإِنْ جَارُوا لِأَنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ
يُفْضِي غَالِبًا إِلَى أَشَدِّ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ وَوَجْهُ
الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِطَاعَةِ الْعَبْدِ الْحَبَشِيِّ
وَالْإِمَامَةُ الْعُظْمَى إِنَّمَا تَكُونُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي قُرَيْشٍ
فَيَكُونُ غَيْرُهُمْ مُتَغَلِّبًا فَإِذَا أَمَرَ بِطَاعَتِهِ اسْتَلْزَمَ
النَّهْيَ عَن مُخَالفَته وَالْقِيَام عَلَيْهِ ورده بن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ
الْمُرَادَ بِالْعَامِلِ هُنَا مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ الْإِمَامُ لَا مَنْ يَلِي
الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّاعَةِ الطَّاعَةُ فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ
انْتَهَى .
وقال الملا علي القاري في المرقاة : (يَقُودُكُمْ) أَيْ يَأْمُرُكُمْ (بِكِتَابِ اللَّهِ)
أَيْ بِحُكْمِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى حُكْمِ الرَّسُولِ قَالَ الْقَاضِي: أَيْ
يَسُوقُكُمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى كِتَابُ اللَّهِ
وَحُكْمُهُ (فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) فِيهِ حَثٌّ عَلَى الْمُدَارَاةِ
وَالْمُوَافَقَةِ مَعَ الْوُلَاةِ عَلَى التَّحَرُّزِ عَمَّا يُثِيرُ الْفِتْنَةَ
وَيُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
وقال الشيخ السندي في الحاشية : وَفِي قَوْله يقودكم بِكِتَاب الله إِشَارَة إِلَى
أَنه لَا طَاعَة لَهُ فِيمَا يُخَالف حكم الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى أعلم .
حاشية السندي على سنن النسائي (المتوفى: 1138هـ)
قال أبو ياسر غفر الله له ولولديه : وهذا الحديث بوب له النووي في شرحه لصحيح مسلم تحت بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ
مَعْصِيَةٍ، وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ.
وبوب له النسائي تحت
باب الْحَضُّ عَلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ.
وبوب له ابن ماجة تحت
بَابُ طَاعَةِ الْإِمَامِ .
وبوب له بن أبي عاصم في كتاب السنة تحت بَابٌ فِي ذِكْرِ السَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ
وبوب له البيهقي في السنن الصغير بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ
لِلْإِمَامِ، وَمَنْ ينُوبُ عَنْهُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ، وَالصَّبْرُ
عَلَى أَذًى يُصِيبُهُ مِنْهُ، وتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ.
فكما تر فأن علماء السلف
استدلوا بهذا الحديث على السمع والطاعة في المعروف والنهي عن الطاعة في معصية
الله كسائر أحاديث الباب ولم ينقل عن أحد
منهم أنه استدل بهذا الحديث على جواز الخروج على الحاكم الذي لا يقيم كتاب الله أو
يخالف كتاب الله .
و قد نشأ في زمننا قوم
يستدلون بهذا الحديث على تكفير الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله وعلى الخروج
عليهم ومقاتلتهم وليس القول قولهم بل القول قول السلف لا فهم من جاء بعدهم .
قال الله تعالى : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا
بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) أل عمران
وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية:"فأما الذين في
قلوبهم زيغ" قال: إن لم يكونوا الحرُوريّة (الخوارج) والسبئية، فلا أدري من
هم! .
وذُكر عند ابن عباس الخوارجُ وما يُلْقَوْنَ عند
القرآن، فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه! وقرأ ابن عباس:"وما يعلم
تأويله إلا الله"، الآية. تفسير الطبري
قلت فإذا كانوا يهلكون عند المتشابه من كلام الله فما بالك بالمتشابه من كلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض الأفاضل ردا على هذه
الشبهة الواهية
:
فقوله: "يَقُودُكُم بِكِتَابِ اللَّهِ" أو "مَا قَادَكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ" وزعمهم أن الإمام إذا لم يكن يقودنا بكتاب الله فلا ولاية له؛ فمردود من وجوه:
فقوله: "يَقُودُكُم بِكِتَابِ اللَّهِ" أو "مَا قَادَكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ" وزعمهم أن الإمام إذا لم يكن يقودنا بكتاب الله فلا ولاية له؛ فمردود من وجوه:
الوجه الأول : إن الأخذ بمفهوم المخالفة من النصوص الشرعية ليس على إطلاقه؛خصوصًا إذا كان هذا المفهوم سوف يثبت به أحكام شرعية فالأخذ بمفهوم المخالفة له ضوابط وقيود تجدها مبسوطة في كتب الأصول، ومن الضوابط أنه إذا تعارض مفهوم ومنطوق يقدم المنطوق على المفهوم والأحاديث الواردة عن النبي تمنع من الخروج على الحكام ولو ظلموا ولو فسقوا وعصوا، ولم تستثنِ هذه الأحاديث خروجًا إلا الخروج في حالة الكفر الصريح الذي لا تأويل فيه وهي أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي كما ذكر ذلك الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار .
الوجه الثاني : أننا على فرض صحة الأخذ بمفهوم المخالفة في هذا الحديث؛ فيكون الكلام تقديره: "لَوْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ لاَ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فلا َتَسْمَعُوا لَهُ وَلاَ تُطِيعُوا". أقول: فهل يُفْهَمُ من هذا أنه تسقط طاعته مطلقًا كما يتوهم البعض من ذلك؟!؛ أم يُفْهَمُ منه أنه إذا لم يقدنا بكتاب الله فيما أمر فلا نسمع له ولا نطيع فيما أمر فقط مما خالف فيه كتاب الله؟!. فإن أجيب بالاحتمال الأول المُتَوَهَّم؛ لزم من ذلك أن يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ" على سقوط الولاية والطاعة لأي حاكم مطلقًا لمجرد أنه أمر بالمعصية ولو لمرة واحدة!، ولا يقول بذلك إلا الخوارج!.
قال ابن بطال في "شرحه للبخاري" (5/126) قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ" احتج بهذا الحديث الخوارج ورأوا الخروج على أئمة الجور والقيام عليهم عند ظهور جورهم"اهـ.
فالحديث لم يأتي فيه لفظ الخروج وإنما عدم السمع والطاعة في حالة لم يقدنا بكتاب الله فيما أمر أي فيما خالف فيه كتاب الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والأحاديث تفسر بعضها بعض.
قال الإمام النووي بعد الكلام عن خروج الحسين وابن الزبير وخروج بعض التابعين -رضي الله عن الجميع-: «قال القاضي: وقيل إن هذا الخلاف كان أولاً؛ ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم» وانظره في "الإكمال".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المنهاج : ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ص وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين.
وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب ترجمة : الحسن بن صالح بن حي-: »وقولهم : (وكان يرى السيف ) يعني أنه كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور , وهذا مذهبٌ للسلف قديم. لكن استقر ّالأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشدّ منه؛ ففي وقعة الحرّة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عِظةٌ لمن تدبّر نعم لمن تدبر!!. انتهى
الشبهة 7
-- َقَالَ عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَقٌّ عَلَى
الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَنْ يُؤَدِّيَ الأمانة فإذا
فعل ذلك كان حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا. رواه سعيد بن منصور في سننه و بن أبي شيبة في مصنفه و
أبي بكر بن الخلال في السنة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم .
قال أبو ياسر غفر الله له ولولديه : هذا الأثر
عن علي مأخوذ من مفهوم هذه الآية قال الله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ
أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" (النساء:
58، 59) وعامة من
استدل بهذا الحديث من المفسرين والمحدثين استدل به عند شرح هذه الآية .
قال أبو جعفر الطبري في
تفسيره بعد أن ذكر الكثير من أقوال السلف في تفسير هذه الآية ومنها أثر علي الذي
نحن بصدده :
فتأويل الآية إذًا إذ كان الأمر
على ما وصفنا : إن الله يأمركم، يا معشر ولاة أمور المسلمين، أن تؤدوا ما ائتمنتكم
عليه رعيّتكم من فَيْئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم، على ما أمركم الله
بأداء كل شيء من ذلك إلى من هو له، بعد أن تصير في أيديكم، لا تظلموها أهلها، ولا
تستأثروا بشيء منها، ولا تضعوا شيئًا منها في غير موضعه، ولا تأخذوها إلا ممن أذن
الله لكم بأخذها منه قبل أن تصيرَ في أيديكم
ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف، وذلك حكمُ
الله الذي أنزله في كتابه، وبيّنه على لسان رسوله، لا تعدُوا ذلك فتجورُوا عليهم.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا
بَصِيرًا } قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا معشر ولاة أمور المسلمين، إن
الله نعم الشيء يَعظكم به، ونعمت العظة يعظكم بها في أمره إياكم أن تؤدوا الأمانات
إلى أهلها، وأن تحكموا بين الناس بالعدل إن الله كان سميعًا"، يقول: إن الله
لم يزل سميعًا بما تقولون وتنطقون، وهو سميع لذلك منكم إذا حكمتم بين الناس ولما
تُحاورونهم به "بصيرًا" بما
تفعلون فيما ائتمنتم عليه من حقوق رعيتكم وأموالهم، وما تقضون به بينهم من أحكامكم: بعدل تحكمون أو
جَوْر، لا يخفى عليه شيء من ذلك، حافظٌ ذلك كلَّه، حتى يجازي محسنكم بإحسانه،
ومسيئكم بإساءته، أو يعفو بفضله.
وقال كذالك في تفسير هذه الأية : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي،
قولُ من قال: هو خطاب من الله ولاةَ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من وَلُوا
أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية،
والقَسْم بينهم بالسوية. يدل على ذلك ما وَعظ به الرعية في: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) ، فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرعية، وأوصى
الرعية بالطاعة.
وقال شيخ
الإسلام بن تيمية : قال
العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها،
وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل.
ونزلت
الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في
قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية
الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وقد أشار
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى تلك الواجبات والحقوق بقوله:
«حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي
الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقاً على المسلمين أن يسمعوا وأن يطيعوا ويجيبوا إذا
دعوا» .انظر:
«مجموع الفتاوى» (28/245/297).
وقال الشيخ الخليفي في الرد على من استذل بهذا الأثر على الخروج :
أراد علي أن يسمعوا وأن يطيعوا في عين الأمر الذي أمر به، ولم يرد إباحة
الخروج على من حكم بغير ما أنزل الله.
عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلَ
سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ
يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ
عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ،
أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: اسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.
أقول: والذين لا يعطون الناس حقهم لا يحكمون بما أنزل الله عز وجل.
الكتاب: الصحيح المسند من آثار الصحابة المؤلف: عبد الله بن فهد الخليفي
قال أبو ياسر غفر الله له ولولديه : وقد بوب لهذا الأثر ابن أبي شيبة، في مصنفه (المتوفى: 235هـ) تحت باب مَا جَاءَ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ وَالْخِلَافِ عَنْهُ
وبوب له ابن زنجويه
(المتوفى: 251هـ) في كتابه الأموال:
فِي وجُوبِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَمَا فِي مُنَازَعَتِهِمْ،
وَالطَّعْنِ عَلَيْهِمْ.
وبوب له أبو بكر الخَلَّال
(المتوفى: 311هـ) بَابٌ فِي الصَّبْرِ وَالْوَفَاءِ الْإِمَامِ.
وذكره بن عبد البر
عند كلامه عن طاعة الإمام في المعروف وعدم طاعته في المعصية.
واستدل به ابن
الملقن الشافعي (المتوفى: 804هـ) في التوضيح لشرح الجامع الصحيح على تحريم طاعة الولاة إذا أمروا بمعصية
الله فقال :
فصل: فإن ظن ظان أن في حديث أنس وابن عباس - رضي
الله عنهما - حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقد وردت الأخبار
بالسمع والطاعة لولاة الأمر، فقد ظن خطأ،
وذلك أن أخباره لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما
الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله ورسوله، فإذا كان
خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا في معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك
قال عامة السلف، وساق ابن جرير من قول علي - رضي الله عنه -: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل
الله، ويؤدى الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ، وروي
مثله عن معاذ بن جبل.
قلت فكما ترى فإن
المحدثين والمفسرين والعلماء المتقدمين لم يستدل أحد منهم بهذا الأثر على تكفير من
لم يحكم بما أنزل الله أو تجويز الخروج عليهم ، بل غاية ما نقل عنهم
ما قد قرأت عنهم أنفا ، أن من حقوق الإمام أداء الأمانة والحكم بين الناس بالعدل ومن حقوق الرعية
السمع والطاعة للأئمة في المعروف والنهي عن الطاعة في المعصية فإذا لم يؤدي الإمام
حقوق الرعية فهو أثم متوعد بالعقاب في الآخرة . انتهى باب الرد على الشبهات.
الشبهة 8
-- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ
اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ،
وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا
تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ
مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ
جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ
مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ». صحيح مسلم
وفي رواية (لَا إِيمَانَ بَعْدَهُ)
قال الشيخ ربيع
المدخلي ومن هنا قال الإمام يحيى بن يحيى " الذب عن السنة أفضل من الضرب
بالسيوف "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" الراد على أهل البدع
مجاهد".
هذا الحديث فيه أخبار
عن أحوال الأنبياء وأحوال أممهم وأن أصحابهم وحوارييهم الذي استضاؤا بنور نبوتهم
وشاهدوا نزول الوحي عليهم يظلون أوفياء مخلصين لربهم ومتمسكين بَهَدْي أنبيائهم في
الظاهر والباطن تطابق أقوالهم أفعالهم، ثم تخلفهم أجيال يحيد بهم الشيطان
عن مناهج الأنبياء يدعون بأقوالهم أنهم على نهج الأنبياء، ويخترعون من البدع
والمناهج الباطلة ويرتكبون من المنكرات والمعاصي ما يجعلهم أبعد الناس عن أديان
أنبيائهم ويعيشون في تناقضات بين أقوالهم وأعمالهم.
ويبقى في كل أمة علماء
مخلصون أوفياء لدينهم يجاهدون ويناضلون عن تعاليم أنبيائهم، كل على حسب طاقته
ومنزلته من الإيمان؛ فمجاهد بلسانه ومجاهد بيده ومجاهد بقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وليس وراءه شيء من الإيمان.
وأمة محمد وقع فيها ما
وقع في الأمم السابقة وخلفت بعد القرون المفضلة خلوف تفرقت بهم السبل وشتتتهم
الأهواء وصدق فيه قول رسول الله : «
لتتعبن سنن من كان قبلكم حذوة القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» «ستفترق
هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة».
وبقي في هذه الأمة
الطائفة المنصورة التي أخبر عنها رسول الله : «
لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم
حتى تقوم الساعة». هذه الطائفة لا زالت وستبقى كما أخبر بذلك رسول الله r تدعو إلى
الحق والخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدحض البدع والشبهات المضللة بالحجج
والبراهين وتجاهد الباطل حسب إستطاعتها باليد واللسان والقلب، فعلى المؤمن الثبات
على ما جاء به الرسول في عقيدته وعبادته وأخلاقه وعليه الأخذ بسنة نبيه والاقتداء
بأمره ومجانبة الأهواء والمعاصي والبدع ثم الدعوة إلى الحق وبذل ما يستطيعه في
نصرة دينه.
الشبهة 9
عن عبد الله بن عمر
رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت أمتي تهاب الظالم إن تقول له: إنك ظالم فقد
تُوُدِّعَ منهم .
أخرجه أحمد في المسند:
(2/63، 190) ، والحاكم فيالمستدرك - كتاب الأحكام -: (4/96) ، والحديث رواه البزار
والطبراني كما في مجمع الزوائد: (7/262، 270) ، وقد صححه الحاكم فقال: هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، والمنذري أيضاً في الترغيب والترهيب:
(3/232) ،وقال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (10/39) 6521 إسناده صحيح،
والحديث ذكره السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا
في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى ابن عدي، والبيهقي في شعب الإيمان،
والحديث رواه الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما كما
في مجمع الزوائد: (7/270) ، قال الهيثمي فيه: سنان بن هارون، وهو ضعيف، وقد حسن
الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات، ونسب السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) تخريجه
أيضاً إلى الحاكم عن سليمان بن كثير بن أسعد بن عبد الله بن مالك الخزاعي عن أبيه
عن جده.
قال الشيخ الالباني
في الضعيفة حيث رقم - 1264
أخرجه الحاكم (4/96)
وأحمد (2/163 و189 - 190) وأبو بكر الشافعي في "الفوائد " (6/65/2) وابن
عدي في " الكامل " (ق 185/2 و187/2) من طريق الحسن بن عمرو عن أبي
الزبير عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. وقال الحاكم:" صحيح الإسناد "!
ووافقه الذهبي! وذهلا عن كونه منقطعا، وبه أعله البيهقي، فقال المناوي في "
الفيض " متعقبا عليهما:" لكن تعقبه البيهقي نفسه بأنه منقطع حيث قال:
محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي، ولم يسمع من ابن عمرو ". قلت: وبه أعله
ابن عدي كما يأتي، فقد أخرجه آنفا من طريق سنان بن هارون عن الحسن بن عمرو به إلا
أنه قال: عن جابر. بدل " عن ابن عمرو " وقال:" وهذا رواه جماعة عن
الحسن بن عمرو عن أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو.
وأبو الزبير عن عبد
الله بن عمرو يكون مرسلا، وقد رواه أبو شهاب عبد ربه بن نافع الحناط عن الحسن بن
عمرو عن أبي الزبير عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو. وهذا أيضا مرسل لأن عمرا
لم يلق عبد الله بن عمرو. فأما الإسناد الآخر الذي رواه سنان بن هارون عن الحسن بن
عمرو عن أبي الزبير عن جابر.. فلا نعرفه إلا من حديث سنان، وأبو الزبير لا يروي
هذا عن جابر، وإنما يرويه عن عبد الله بن عمرو، ولسنان بن هارون أحاديث، وليست
بالمنكرة عامتها، وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: وقد أشار إلى أن بعض أحاديثه
منكرة، وهذا منها عنده أيضا فقد قال في المكان الأول الذي سبقت الإشارة إليه: "
هكذا يروى عن الحسن بن عمرو عن أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو، ومن قال: عن جابر
فقد أغرب ". والحديث ذكره الهيثمي في " المجمع " (7/262) من رواية
ابن عمرو ثم قال: " رواه أحمد والبزار بإسنادين، ورجال أحد إسنادي البزار
رجال الصحيح، وكذلك رجال أحمد ". وعزاه السيوطي في " الجامع الصغير
" للطبراني في " الأوسط " من حديث جابر. وقال المناوي في "
فيض القدير ": " وفيه سيف بن هارون ضعفه النسائي والدارقطني ". قلت:
كذا وقع في " الفيض " " سيف "، ولا أدري أهكذا وقعت الرواية
عند الطبراني أم هو تحريف من بعض النساخ، فإن سيفا هذا على ضعفه قد رواه عن الحسن ابن
عمرو عن أبي الزبير عن ابن عمرو كما رواه الجماعة عن الحسن، أخرجه ابن عدي
، وإنما رواه عن الحسن
عن أبي الزبير عن جابر أخوه سنان بن هارون، ولا يعرف إلا من حديث سنان كما قال ابن
عدي؛ كما تقدم. فالله تعالى أعلم. ثم تبينت بعد الرجوع إلى " أوسط الطبراني
" (7989) أنه تحرف، وأن الصواب ما
تقدم " سنان
"، وقال الطبراني: " لم يروه عن الحسن بن عمرو عن أبي الزبير إلا سنان
".
و كذالك ضعفه الشيخ في
ضعيف الجامع الصغير وزيادته تحت رقم 501 –
يتبع...........................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق