المبحث الثالث
الحاكم
الذي يصدر منه الكفر البواح أو الردة
الخروج على الحاكم الذي ترك الصلاة وترك الدعاء إليها
-- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ «عَرَفَ» كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لا مَا صَلَّوْا) « لَكُمُ الْخَمْسَ» وفي رواية : لَا مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ . صحيح مسلم و أبو داود و الثرمدي و زيادة(لكم الخمس) أخرجها أحمد 6/295و305 وأخرجها أبو يعلى أيضا 4/1661 و غيرهم.
-- عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ.(صحيح مسلم 1855)
-- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِمُ الْقُلُوبُ، وَتَلِينُ لَهُمُ الْجُلُودُ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ تَشْمَئِزُّ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ، وَتَقْشَعِرُّ مِنْهُمُ الْجُلُودُ . فَقَالَ رَجُلٌ: أَنُقَاتِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ . والحديث أخرجه أحمد 3/28 و29 وأبو يعلى 1/356. و ابن أبي عاصم في "السنة والبيهقي في "الشعب" وأورده الهيثمي في "المجمع"قال الشيخ الألباني في (ظلال الجنة في تخريج السنة) إسناده رجاله كلهم ثقات غير الوليد صاحب البهي قال الهيثمي 5/218: ولم أعرفه.
-- وعن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَدِيّ قال بَيْنَمَا رسول الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانِي النَّاسِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُهُ أنْ يُسَارَّهُ، فَأَذِنَ لَهُ، فَسَارَّهُ فِي قَتْلِ رَجلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَهَر رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَلامِهِ وَقَالَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلأ الله؟ . قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، وَلا شَهَادَةَ لَهُ. قَالَ: ألَيْسَ يصَلِّي؟ قَال: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا صَلَاةَ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : أولَئِكَ الَّذِينَ نُهِيتُ عَنْ قَتْلِهِمْ .صححه الشيخ الألباني في الثمر المستطاب وصحيح ابن حبان 5971
-- قَالَ الطِّيبِيٌّ: فِيهِ إِشْعَارٌ بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الصَّلَاةِ وَأَنَّ تَرْكَهَا مُوجِبٌ لِنَزْعِ الْيَدِ عَنِ الطَّاعَةِ كَالْكُفْرِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح القاري
-- قال الشوكاني : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُنَابَذَةُ الْأَئِمَّةِ بِالسَّيْفِ مَا كَانُوا مُقِيمِينَ لِلصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُنَابَذَةِ عِنْدَ تَرْكِهِمْ لِلصَّلَاةِ. نيل الأوطار الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ)
-- قال بن العثيمين : فدل هذا على أنهم إذا تركوا الصلاة فلنا أن ننابذهم وهذا يقتضي أن يكون ترك الصلاة كفراً بواحاً . فتاوى نور على الدرب
-- قال الشنقطي : أَيْ لَا تُقَاتِلُوهُمْ مُدَّةَ كَوْنِهِمْ يُصَلُّونَ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُصَلُّوا قُوتِلُوا، وَهُوَ كَذَلِكَ. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف
-- عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَا(هُ)، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وعَلَى َأَثَرَةٍ عَلَيْنَا،[وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ]1 وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِم . ،وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ [وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ]2 [ إ ِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا*عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ**] 3 . 4.
-- قَالَ
عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِجُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ:
«تَعَالَ حَتَّى أُخْبِرَكَ مَاذَا، لَكَ وَمَاذَا عَلَيْكَ؟ إِنَّ عَلَيْكَ
السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ،
وَالْأَثَرَةِ عَلَيْكَ، وَأَنْ تَقُولَ بِلِسَانِكَ وَأَنْ لَا تُنَازِعَ
الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَى كُفْرًا بَوَاحًا». مصنف ابن أبي شيبة
37258
-------------------------------------------------------------------------------------
1صححه الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة (1026)، وصحيح بن حبان (4566) (4543) و«الصحيحة» (3418): ق.
2. أخرجه أحمد من طريق عمير بن هانىءعَنْ جُنَادَةَ برقم 22735 وقال الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
3. الزيادة
التي بين المعكوفتين أخرجها البخاري (7055 و7056) ، ومسلم (6/16-17) ، وأبو عوانة
(4/456) ، وابن حبان (7/45/4543) ، وابن أبي عاصم
(2/492/1026و493/1028و495/1033و1034) ، وابن أبي شيبة (رقم 19105) ، وأحمد (5/321)
، والبيهقي (8/145) من طرق عنه.
وأخرجه البزار في "البحر الزخار" (7/143-144/2698-2700) من الطريقين.
4. أخرجه البخاري (7199 و7200) - باختصار-، ومسلم (6/16) ، وأبو عوانة (4/454) - والسياق لهما-، وابن حبان (7/39-40/4530) ، والنسائي (2/180-181) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/494-495/102-1032) ، والبيهقي في "السنن" (8/145و10/158) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (15/57/19104) ، والحميدي في "مسنده" (192/389) ، وأحمد (5/314و316و319) .
قوله (بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا)
قَالَ الطِّيبِيُّ : أَيْ عَهْدُنَا بِالْتِزَامِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي حَالَتَيِ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُفَاعَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْإِيذَانِ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمْ أَيْضًا بِالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَالشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْحِسَابِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا الْتَزَمُوا . شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
قوله (وعَلَى َأَثَرَةٍ عَلَيْنَا)
قَالَ النَّوَوِيُّ : الْأَثَرَةُ الِاسْتِئْثَارُ وَالْاخْتِصَاصُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا أَيِ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اخْتُصَّ الْأُمَرَاءُ بِالدُّنْيَا عَلَيْكُمْ وَلَمْ يُوصِلُوكُمْ حَقَّكُمْ مِمَّا عِنْدَهُمْ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح القاري (المتوفى: 1014هـ).
قال بن حجر: المراد طواعيتهم لمن تولى عليهم لا يتوقف على ايصال حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقوقهم .
وَقَالَ الْكرْمَانِي : الأثرة الاستئثار لنَفسِهِ والاستقلال والاختصاص يَعْنِي : أَن الْأُمَرَاء يخصصون أنفسهم بالأموال وَلَا يشركونكم فِيهَا. عمدة القاري شرح صحيح البخاري بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ)
قوله (وأن لا ننازع الأمر أهله إِلَّا أَنْ تَرَوْا
كُفْرًا بَوَاحًا)
قال الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى قَوْلِهِ بَوَاحًا يُرِيدُ ظَاهِرًا بَادِيًا.من قولهم باح الشيئ يبوح به بوحا وبواحا ادا اداعه و اظهره. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني
وقَالَ القسطلاني : ظاهرًا يجهر ويصرح به . ارشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني.
وَقَالَ الْكرْمَانِي : الظَّاهِر أَن الْكفْر على ظَاهره (أي كفر أكبر مخرجا عن الملة و ليس معصية كما ذكر النووي) عمدة القاري شرح صحيح البخاري
وقال القاضي عياض : وقوله " إلا أن يكون كفراً بواحاً " : كذا رواية كافة شيوخنا هنا بالواو، أى جهاراً، ويفسره بقية الكلام . يقال : باح الشىء يبوح : إذا ظهر واشتهر، وأباحه: جهر به، وعند ابن أبى جعفر وبعضهم : " براحاً " [بالراء، وهما بمعنى الراء لا ينافى سمعاً. يقال : برح الشىء وبرح الخفى: إذا بان وصفه. وقال ثابت: رواه النسائى: " بواحاً " وغيره: " براحاً "] ، قال: ولا معنى لقوله: " بُواحاً " إلا أن يكون " بوحاً " و " بووحاً "، من قولك : باح الشىء : إذا ظهر.
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: ثم قال : " وألا ننازع الأمر أهله" يعني لا ننازع وُلاة الأمور ما ولاهم الله علينا، لنأخذ الإمرة منهم، فإن هذه المنازعة توجب شراً كثيراً، وفتناً عظيمة وتفرقا بين المسلمين، ولم يدمر الأمة الإسلامية إلا منازعة الأمر أهله، من عهد عثمان- رضي الله عنه- إلى يومنا هذا، ما أفسد الناس إلا منازعة الأمر أهله.
قوله (عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)
-- قال البغوي(المتوفى: 516هـ) في شرح السنة : أَيْ آيَةٌ أَوْ سُنَّةٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ.
-- قَالَ القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: نص من قرآن أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج على الإمام ما دام فعله يحتمل التأويل.
-- قال النووي في المنهاج : أَيْ تَعْلَمُونَهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى .
-- قال ابن حجر في فتح الباري: أَيْ نَصُّ آيَةٍ أَوْ خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ مَا دَامَ فِعْلُهُمْ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ.
شرح معنى الحديث
قال القاضي
عياض : وقوله " ولا
ننازع الأمر أهله إلا أن يكون كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ":
قال الإمام : لا يجوز الخروج على الإمام العدل باتفاق، فإذا فسق وجار؛ فإن كان فسقه كفراً وجب خلعه، وإن كان ما سواه من المعاصى فمذهب أهل السنة أنه لا يخلع، واحتجوا بظاهر الأحاديث وهى كثيرة؛ ولأنه قد يؤدى خلعه إلى إراقة الدماء وكشف الحريم، فيكون الضرر بذلك أشد من الضرر به. وعند المعتزلة أنه يخلع، وهذا فى إمام عُقد له على وجه يصح ثم فسق وجار، وأما المتغلبون على البلاد فالكلام فيهم يتسع، وليس هذا موضعه. والاستثناء بقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً " يؤكد ما قلناه من التفرقة بين الكفر وغيره.
وقال القاضى : لا خلاف بين
المسلمين أنه لا تنعقد الإمامة للكافر، ولا تستديم له إذا طرأ عليه ، وكذلك إذا ترك
إقامة الصلوات والدعاء إليها، وكذلك عقد جمهورهم البدعة. وذهب بعض البصريين إلى
أنها تنعقد له وتستديم على التأويل، فإذا
طرأ مثل هذا على وال من كفر أو تغير شرع أو تأويل بدعة، خرج عن حكم الولاية وسقطت
طاعته، ووجب على الناس القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عدل أو والٍ مكانه إن
أمكنهم ذلك
وإن لم يتفق ذلك إلا
مع طائفة وفتنة وحرب فيجب القيام بذلك على الكافر.
ولا يجب على المبتدع إذا لم يتخيلوا القدرة عليه، ويجب فى المبتدع إذا تخيلوا القدرة عليه، فإن حققوا العجز عنه فلا يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه. وقد يحتج فى المبتدع بقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان "، فهذا يظهر أنه فيما لا تأويل فيه.
وكذلك لا تنعقد ابتداء
للفاسق بغير تأويل، وهل يخرج منها بموافقة المعاصى. ذهب بعضهم إلى ذلك، وأنه يجب
خلعه، فإن لم يقدر عليه إلا بفتنة وحرب لم يجز القيام عليه، ووجب الصبر عليه؛ لأن
ما تؤدى الفتنة إليه أشد
وقال جمهور أهل السنة من أهل الحديث والفقه والكلام: لا يخلع بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته فيما لا تجب فيه طاعته؛ للأحاديث الواردة فى ذلك من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك، ما أقاموا الصلاة "، وقوله: " صلِّ خلف كل بر وفاجر " ، وقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، وقوله: " وألا ننازع الأمر أهله "، وأن حدوث الفسق لا يوجب خلعه.
وقد ادعى أبو بكر بن
مجاهد فى هذه المسألة الإجماع.
وقد رد عليه بعضهم هذا
القيام لحسين وابن الزبير وأهل المدينة على بنى أمية، وجماعة عظيمة من التابعين
والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث ، وتأولوا قوله
: " وألا ننازع الأمر أهله
" فى أئمة العدل وأهل الحق، وقيل: بل هذا مخاطبة للأنصار ألا ينازعوا قريشاً
الخلافة.
وحجة الآخرين أن
قيامهم على الحجاج ليس لمجرد الفسق، بل لما غير من الشرع وظاهر الكفر لبيعة
الأحرار، وتفضيله الخليفة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله
المشهور المنكر فى ذلك.
وقيل: نجل كان فى هذا الخلاف أولاً ثم وقع الاتفاق بعد على ترك القيام .
وقال ابن بطال : (إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ فَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ بَلْ تَجِبُ مُجَاهَدَتُهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا). فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني
وقال أبو
بكر بن الطيب : أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره
بعد الإيمان، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها، واختلفوا إذا كان فاسقًا
ظالمًا غاصبًا للأموال؛ يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ويضيع الحدود ويعطل
الحقوق فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.
وقال الجمهور من الأئمة وأهل الحديث : لا يخلع بهذه الأمور، ولا يجب الخروج عليه؛ بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته فيما دعو إليه من معاصى الله. واحتجوا بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (اسمعوا، وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى) وأمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر، وروى أنه قال : أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ما أقاموا الصلاة) . شرح صحيح البخارى لابن بطال
وقال
الإمام النووي في المنهاج : (إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا
عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) هَكَذَا هُوَ لِمُعْظَمِ الرُّوَاةِ
وَفِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بَوَاحًا بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا بَرَاحًا
وَالْبَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا وَمَعْنَاهُمَا كُفْرًا ظَاهِرًا *وَالْمُرَادُ
بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعَاصِي* وَمَعْنَى عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ
بُرْهَانٌ أَيْ تَعْلَمُونَهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى
وَمَعْنَى
الْحَدِيثِ لا تُنَازِعُوا وُلَاةَ الْأُمُورَ فِي وِلَايَتِهِمْ وَلَا
تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا
تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوهُ
عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ وَأَمَّا الْخُرُوجُ
عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا
فَسَقَةً ظَالِمِينَ
وَقَدْ
تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ
أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ
فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَحُكِيَ عَنِ
الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ .
وقال
الحافظ بن حجر في الفتح : قال
النووي المراد بالكفر هنا المعصية ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الامور في
ولايتهم ولا تعترضوا عليهم الا ان تروا
منكرا محققا تعلمونه من قواعد الاسلام فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوهُ
عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ (أي
النووي) الْمُرَادُ بِالْإِثْمِ هُنَا الْمَعْصِيَةُ وَالْكُفْرُ فَلَا يُعْتَرَضُ
عَلَى السُّلْطَانِ إِلَّا إِذَا وَقَعَ فِي الْكُفْرِ الظَّاهِرِ وَالَّذِي
يَظْهَرُ حَمْلُ رِوَايَةِ الْكُفْرِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي
الْوِلَايَةِ فَلَا يُنَازِعُهُ بِمَا يَقْدَحُ فِي الْوِلَايَةِ إِلَّا إِذَا
ارْتَكَبَ الْكُفْرَ وَحَمْلُ رِوَايَةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ
الْمُنَازَعَةُ فِيمَا عَدَا الْوِلَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي الْوِلَايَةِ
نَازَعَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ بِأَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَيَتَوَصَّلَ
إِلَى تَثْبِيتِ الْحَقِّ لَهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ
قَادِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أُمَرَاءِ الْجَوْرِ أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى خَلْعِهِ بِغَيْرِ فِتْنَةٍ وَلَا ظُلْمٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الصَّبْرُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْوِلَايَةِ لِفَاسِقٍ ابْتِدَاءً فَإِنْ أَحْدَثَ جَوْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ إِلَّا أَنْ يَكْفُرَ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ.
وقال في موضع أخر : وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي هَذَا الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي الْأَمْرِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ وَهُوَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْكُفْرِ إِجْمَاعًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ فَمَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ الثَّوَابُ وَمَنْ دَاهَنَ فِعْلَيْهِ الْإِثْمُ وَمَنْ عَجَزَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ من تِلْكَ الأَرْض.
وقال أبو
بكر البقلاني : أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته
كفره بعد الإيمان، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها، واختلفوا إذا كان فاسقًا
ظالمًا غاصبًا للأموال؛ يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ويضيع الحدود ويعطل
الحقوق فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.
وقال الجمهور من الأمة وأهل الحديث : لا يخلع بهذه الأمور، ولا يجب الخروج عليه؛ بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته فيما دعو إليه من معاصى الله، واحتجوا بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (اسمعوا، وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى) وأمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر، وروى أنه قال : أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ما أقاموا الصلاة) .
وقال بن الملقن الشافعي إلا أن تروا كفرًا بواحًا" يدل هذا كله على ترك الخروج على الأئمة وأن لا تشق عصا المسلمين ولا ينسب إليه سفك الدماء وهتك الحريم إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف دعوة الإسلام، فلا طاعة لمخلوق عليه.
وقال الامام الصنعاني في سبل اللسلام دَلَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إمَامٍ قَدْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ أَهْلُ قُطْرٍ كَمَا قُلْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ لِإِدْخَالِهِ الضَّرَرَ عَلَى الْعِبَادِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ جَائِرًا، أَوْ عَادِلًا، وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ. وَفِي لَفْظٍ مَا لَمْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، وَقَدْ حَقَّقْنَا هَذِهِ الْمَبَاحِثَ فِي مِنْحَةِ الْغَفَّارِ حَاشِيَةِ ضَوْءِ النَّهَارِ تَحْقِيقًا تُضْرَبُ إلَيْهِ آبَاطُ الْإِبِلِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ.
وقال الشنقطي في اضواء البيان مَسَائِلُ:
الْأُولَى : إِذَا
طَرَأَ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِسْقٌ، أَوْ دَعْوَةٌ إِلَى بِدْعَةٍ. هَلْ
يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَزْلِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا
صَارَ فَاسِقًا، أَوْ دَاعِيًا إِلَى بِدْعَةٍ جَازَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ لِخَلْعِهِ.
وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِيَامُ عَلَيْهِ
لِخَلْعِهِ إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ كُفْرًا بَوَاحًا عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ
بُرْهَانٌ.
.....فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ
عَلَى مَنْعِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِمَا لَا يَجُوزُ،
إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ الْكُفْرَ الصَّرِيحَ الَّذِي قَامَ الْبُرْهَانُ
الشَّرْعِيُّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ – أَنَّهُ كُفْرٌ بَوَاحٌ؛ أَيْ: ظَاهِرٌ بَادٍ لَا لَبْسَ فِيهِ.
وَقَدْ دَعَا الْمَأْمُونُ وَالْمُعْتَصِمُ وَالْوَاثِقُ إِلَى بِدْعَةِ الْقَوْلِ: بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَعَاقَبُوا الْعُلَمَاءَ مِنْ أَجْلِهَا بِالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ، وَالْحَبْسِ، وَأَنْوَاعِ الْإِهَانَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَدَامَ الْأَمْرُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ حَتَّى وَلِيَ الْمُتَوَكِّلُ الْخِلَافَةَ، فَأَبْطَلَ الْمِحْنَةَ، وَأَمَرَ بِإِظْهَارِ السُّنَّةِ.
وقال القاضي البيضاوي (ت 685هـ) تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة " وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " أي: كفرا جهارا لا خفاء به ولا تأويل له - من باح بالشيء وأباحه: إذا جهر به - يكون عندكم من الله ما يدل قطعا على أنه كفر, وهو يدل على أن الإمام لا ينعزل بطريان الفسق, وللعلماء فيه خلاف, لكن لو أمكن تبديله بغير حرب وإثارة فتنة بدل.
وقال العلامة محمد صديق خان (المتوفى: 1307هـ) وبالجملة فإذا كفر الخليفة بإنكار ضروري من ضروريات الدين؛ حل قتاله بل وجب ؛ وإلا لا؛ وذلك لأنه حينئذ فاتت مصلحة نصبه؛ بل يخاف مفسدته على القوم، فكان قتاله من الجهاد في سبيل الله ". انتهى. التعليقاتُ الرَّضية على «الرَّوضة النّديَّة»
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان" ثلاثة شروط، إذا رأينا هذا وتمت الشروط الثلاثة فحينئذ ننازع الأمر أهله، ونحاول إزالتهم عن ولاية الأمر، لكن بشروط :
الأول : أن
تروا، فلابد من علم، أما مجرد الظن، فلا يجوز الخروج على الأئمة.
والرؤية إما بالعين أو بالقلب، الرؤيا بالعين بصرَّية وبالقلب علمية، بمعنى أننا لا نعمل بالظن، أو بالتقديرات، أو بالاحتمالات، بل لابدَّ أن نعلمَ علمَ اليقين. مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الثاني : أن نعلم كفراً لا فسقاً. الفسوق، مهما فسق وُلاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم؛ لو شربوا الخمر، لو زنوا، لو ظلموا الناس، لا يجوز الخروج عليهم، لكن إذا رأينا كفراً صريحاً يكون بواحاً.
الثالث : الكفر البواح : وهذا معناه الكفر الصريح، البواح الشيء البين الظاهر، فأما ما يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج عليهم، يعني لو قدرنا أنهم فعلوا شيئاً نرى أنه كفر، لكن فيه احتمال أنه ليس بكفر، فإنه لا يجوز أن ننازعهم أو نخرج عليهم، ونولهم ما تولوا.
لكن إذا كان بواحاً صريحاً، مثل: لو أن ولياً من وُلاة الأمور قال لشعبه: إن الخمر حلال. اشربوا ما شئتم، وإن اللواط حلال، تلوطوا بمن شئتم، وإن الزنى حلال ازنوا بمن شئتم، فهذا كفر بواح ليس فيه إشكال، هذا يجب على الرعية أن يزيلوه بكل وسيلة ولو بالقتل؛ لأن هذا كفر بواح.
وقال في موضع أخر: لابدَّ أن يكون الكفر بواحاً ظاهرًا لا يشك فيه أحد، مثل أن يدعو إلى نَبذِ الشريعة، أو يدعو إلى ترك الصلاة وما أشبه ذلك من الكفر الواضح الذي لا يَحتَمِل التأويل، حتى إنه لا يجوز الخروج عليه حتى وإن كُنا نرى نحن أنه كفر وبعض الناس يرى أنه ليس بكفر، فإنه لا نجيز الخروج عليه؛ لأن هذا ليس بواحًا. (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)
الرابع : عندكم
فيه من الله برهان، يعني عندنا دليل قاطع على أن هذا كفر، فإن كان الدليل ضعيفاً
في ثبوته، أو ضعيفاً في دلالته، فإنه لا يجوز الخروج عليهم؛ لأن الخروج فيه شر
كثير جداً ومفاسد عظيمة.
وقال في موضع أخر : أي دليلٌ واضح وليس مجرد اجتهاد أو قياس، بل هو بيّنٌ واضح أنه كفر، فحينئذ يجوز الخروج. مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الخامس : توفر القدرة وإذا رأينا هذا مثلاً فلا يتجوز المنازعة حتى يكون لدينا قدرة على إزاحته، فإن لم يكن لدينا قدرة فلا تجوز المنازعة؛ لأنه ربما إذا نازعنا وليس عندنا قدرة يقضي على البقية الصالحة، وتتم سيطرته.
فهذه الشروط شروط للجواز أو للوجوب - وجوب الخروج على ولي الأمر- لكن بشرط أن يكون لدينا قدرة، فإن لم يكن لدينا قدرة، فلا يجوز الخروج؛ لأن هذا من إلقاء النفس في التهلكة. أي فائدة إذا خرجنا على هذا الولي الذي رأينا عنده كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، ونحن لا نخرج إليه إلا بسكين المطبخ، وهو معه الدبابات والرشاشات أي فائدة؟ لا فائدة، ومعنى هذا أننا خرجنا لنقتل أنفسنا، نعم لابد أن نتحيل بكل حيلة على القضاء عليه وعلى حكمه، لكن بالشروط الأربعة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام: أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان. فهذا دليلٌ على احترام حق ولاة الأمور، وأنه يجب على الناس طاعتهم في اليسر والعسر، والمنشط والمكره والأثرة التي يستأثرون بها، ولكن بقي أن نقول: فما حق الناس على ولاة الأمر؟ .
وقال الشيخ أيضا : ولا نخرج حتى ولو رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، إلا حيث يكون الخروج مصلحة، وليس من المصلحة أن تقوم فئة قليلة سلاحها قليل في وجه دولة بقوتها وسلاحها، لأن هذا يترتب عليه إراقة الدماء واستحلال الحرام دون ارتفاع المحذور الذي انتقدوا به الأمراء، كما هو مشاهد من عهد خروج الخوارج في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلى يومنا هذا، حيث يحصل من الشر والمفاسد ما لا يعلمه إلاربُّ العباد.
وقال الشيخ
ابن باز: (إلا أن
تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) ، فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة
ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان؛
وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً، وشراً عظيماً، فيختل
به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا
تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى
المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا
السلطان؛ لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو
كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة
الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر
بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين) ، فإذا كانت
هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً عندها قدرة تزيله
بها، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين،
وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير،
واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال إلى غير ذلك من الفساد
العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة
الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير. وهذا
هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك
تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر،
ونسأل الله للجميع التوفيق والهداية " انتهى."مجموع فتاوى ابن باز"
(8/202-204) .
ثم بعد ذلك
هل أعدوا ما تحتاج إليه الحرب من قوات، ولا يشترط أن تكون مماثلة لقوات العدو فإن
الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط
الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم
وهل أعدوا ما تحتاج إليه الحرب من أطباء ومستشفيات أم ربما يتركون الشخص ينتهي دمه من الجرح، وكذلك ما تحتاج إليه الحرب من تغذية، فالناس ليسوا مستعدين أن يصبروا كما صبر صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الاستضعاف وعلى الخروج من الأوطان، وعلى المرض وعلى الفقر عند أن خرج الصحابة وهاجروا إلى المدينة، فالناس الآن محتاجون إلى أن يدربوا أنفسهم على ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم.
وقال الشيخ
عبد العزيز الراجحي : ولا يجب الخروج على ولي الأمر
إلا بشروط:
الشرط
الأول: أن يقع
منه الكفر، وهذا الكفر موصوف بثلاثة أوصاف :
كفر بواح
صريح، واضح لا لبس فيه عندكم فيه من الله برهان.
والثاني : وجود
البديل المسلم. ، (إذا كان الدولة كافرة والإمام كافر يؤتى بدولة مسلمة وبإمام
مسلم، أما أن يزال كافر ويؤتى بكافر ما حصل المقصود، لا بد إذا أزيل الإمام الكافر
يؤتى بإمام مسلم يقيم شرع الله في أرض الله.)
والثالث : القدرة
على ذلك. (أما إذا كانوا لا يقدرون ولو كانت الدولة كافرة ولو كان الإمام كافراً
ماذا يستفيدون؟! إذا خرجوا قتلوا وانتهى أمرهم.)
فإذا وجدت
هذه الشروط وجب الخروج، أما أن يزال كافر ويؤتى بدله بكافر، فلن يحصل المقصود،
وكذلك القدرة، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]،
فإن لم يستطيعوا يصبروا ولو كانت الدولة كافرة، فسييسر الله الخروج .
أما ما
يحصل من الانقلابات العسكرية، فيذهب عسكري ويأتي عسكري، وتذهب دولة كافرة وتأتي
دولة كافرة، فلم يحصل المقصود. أما إذا فقدت بعض الشروط فلا يجب الخروج؛ وذلك لأن
الخروج على ولي الأمر يترتب عليه مفاسد عظيمة منها: إراقة الدماء، واختلال الأمن،
واختلال أحوال الناس، واختلال الاقتصاد والزراعة والتجارة والتعليم، ويتربص
الأعداء بهم الدوائر، ونظراً لانشغالهم يتدخل الأعداء باسم حل المشكلات، إلى غير
ذلك من المفاسد التي تترتب على الخروج على ولي الأمر، أما الفسق والمعصية فهذه
مسألة خاصة به، وتكون النصيحة مبذولة من قبل العلماء فيما يليق بولاة الأمور، فإن
حصلت الإزالة فالحمد لله، وإن لم تزل فلا يضرنا؛ لأن الصبر على جور الولاة يترتب
عليه تكفير السيئات، ورفع الدرجات، فهو من جنس المصائب.
ولأن هذا فيه ردع للناس وزجر ليتوبوا إلى الله؛ لأن الولاة ما سلطوا على الرعية إلا بسبب فساد أعمالهم، والله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، فإذا أراد الناس أن يتخلصوا من ظلم الجائر، فعليهم أن يتوبوا إلى الله، ويصلحوا أعمالهم، حتى يصلح الله لهم ولاته، فكما تكونوا يولى عليكم، بل قال تعالى لأفضل الناس وهم الصحابة ومعهم نبيهم عليه الصلاة والسلام لما حصل لهم ما حصل في غزوة أحد قال الله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، فإذا كان الصحابة وهم خير الناس ومعهم نبيهم خير الناس أفضل الخلق يقال لهم: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، فكيف بمن سواهم؟!
فإن قيل:
هناك من المشايخ من يجوز الخروج على ولاة الأمر هذه الأيام، قلنا: قد بين الله لنا
ماذا نعمل عند وجود الخلاف فقال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]، وقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ
فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى:10]، فإذا تنازع الناس في المسألة وجب
عليهم ردها إلى الكتاب والسنة، وإذا رددنا ما نحن فيه من مسألة إلى الكتاب والسنة
وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إلا أن ترو كفراً بواحاً، عندكم فيه من
الله برهان)، فهذا نص صريح في أنه لا يجوز الخروج إلا إذا كفروا كفراً صريحاً.
وكذلك
أيضاً حديث عوف ابن مالك الأشجعي، في صحيح مسلم حيث قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (خيار أئمتكم - يعني ولاتكم - الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم
ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا
يا رسول الله! أفلا نناجزهم بالسيف قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وهذا احتج به
العلماء على كفر تارك الصلاة؛ لأنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار يجوز الخروج
عليهم، ولا يكفر إلا إذا فعل كفراً بواحاً، فدل على أن ترك الصلاة كفر بواح.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة)، رواه مسلم في الصحيح بهذا اللفظ وهو صريح، وهناك أدلة كثيرة تدل على مثل هذا. شرح تفسير ابن كثير
وقال الشيخ
الألباني : (إِلَّا
أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) معنى
الكفر البواح؟ يعني الكفر الصريح الذي ليس عند صاحبه حجة يقتنع بها في نفسه فضلاً
عن أن يستطيع أن يقنع بها غيره، فالحجة هنا هي الحجة القاطعة البيّنة؛ أن يأتي
بحجة على الكفر الذي نسميه نحن، أما إذا كان جاء بحجة هو مقتنع بها فلا يجوز
الخروج عليه؛ لأنه خالف معهودنا وخالف معلوماتنا، وبهذا نعلل فتنة المأمون العباسي
حيث خرج على العالم الإسلامي في خلافته بقوله بأن القرآن مخلوق، فهم ما خرجوا عليه
.. فنجد العالم الإسلامي يومئذ وفيه العلماء الفطاحل من المحدثين والفقهاء والأئمة
ما خرجوا عليهم وهم كانوا بلا شك يعني أقوى منا اليوم في الخروج عليهم؛ لكنهم لما
كانوا يتبنون هذا الحكم وهو أنه لا يجوز للمسلمين أن يخرجوا على حكامهم وأمرائهم
إلا إذا رأوا منهم كفراً بواحاً، ما رأوا منه الكفر البواح؛ لأن الكفر البواح يمكن
أن نفهمه بما يعبر عنه بعض العلماء في بعض المناسبات بما كان معلوماً من الدين
بالضرورة، يعني حكم يشترك في معرفته الخاصة والعامة، العالم والجاهل فإذا أعلن
الحاكم يوماً ما استباحة أمر مقطوع تحريمه مثلاً من الدين بالضرورة حينئذ تسقط
البيعة التي بويع بها؛ لأنه ارتكب كفراً بواحاً صريحاً، أما مسألة خلق القرآن صحيح
أنها خطأ بلا شك لكن أين الدليل علماء السلف، الصحابة الأولون ما تكلموا في هذه
القضية لكن لما خرجت المعتزلة بهذه العقيدة الباطلة المنحرفة طبعاً عن الأدلة
الشرعية فقالوا أن كلام الله مخلوق؛ اضطر علماء السنة وبخاصة منهم علماء الحديث أن
يقابلوا هذا القول بنقيضه وهو الصفة، وأن يقولوا كلام الله صفة من صفاته ولا يُعقل
أن يكون مخلوقاً لكن هذا أشبه شيء بما يسمى بعلم الكلام، ولنقل عبارة أخرى أشبه
شيء بالفلسفة من يفهم أن هذه صفة والصفة تبع للذات، والذات قديمة والصفات قديمة
فيلزم منه أن الكلام ليس مخلوقاً؛ لأن هذا صفة للخالق .. ، هذه أمور اجتهادية
استنباطية وليست كل أمور اجتهادية استنباطية باطلة ولا هي كلها صواب
لكن يختلف الأمر بين ما هو منصوص عليه وبين ما هو بطريق الاجتهاد والاستنباط لذلك نجد العلماء يومئذ ما قابلوا ضلالة المهدي بالخروج عليهم؛ لأنه صحيح جاء بأمر منكر لكن ما جاء كفراً بواحاً، ولذلك لقوا ما لقوا من التعذيب والسجن وربما الموت والقتل وما خرجوا عليه، وهنا الآن نحن بعد أن تبيّن لنا ما هو الكفر البواح وضربنا بعض الأمثلة ما فائدة فهم هذا الحديث في هذا العصر حيث لا بيعة، أنا أعتقد أن الذين يثيرون هذا السؤال وأمثاله هم من جماعة الخوارج المحدثين، هم يحملون الفكر الجديد الذي تبنته جماعة سموا بحق أو بباطل بجماعة التكفير والهجرة "الهدى والنور" (211/ 05: 57: 00)
وقال الشيخ في تعليقه
حديث عبادة: ثم إن في هذا الحديث فوائد ومسائل فقهية كثيرة، تكلم عليها العلماء في
شروحهم، وبخاصة منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري". والذي
يهمني منها هنا: أن فيه رداً صريحاً على الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فإنهم يعلمون دون أي شك أو ريب أنه لم يروا منه
(كفراً بواحاً) ، ومع ذلك استحلوا قتاله وسفك دمه هو ومن معه من الصحابة
والتابعين، فاضطر رضي الله عنه لقتالهم واستئصال شأفتهم، فلم ينج منهم إلا القليل،
ثم غدروا به رضي الله عنه كما هو معروف في التاريخ. والمقصود أنهم سنوا في الإسلام
سنة سيئة، وجعلوا الخروج على حكام المسلمين ديناً على مر الزمان والأيام، رغم
تحذير النبي- صلى الله عليه وسلم -منهم في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه
وسلم . " الخوارج كلاب النار"
ورغم أنهم
لم يروا كفراً بواحاً منهم، وإنما ما دون ذلك من ظلم وفجور وفسق. واليوم- والتاريخ
يعيد نفسه كما يقولون-، فقد نبتت نابتة من الشباب المسلم، لم يتفقهوا في الدين إلا
قليلاً، ورأوا أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إلا قليلاً، فرأوا الخروج عليهم
دون أن يستشيروا أهل العلم والفقه والحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، وأثاروا فتناً
عمياء، وسفكوا الدماء، في مصر، وسوريا، والجزائر، وقبل ذلك فتنة الحرم المكي،
فخالفوا بذلك هذا الحديث الصحيح الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفاً وخلفاً إلا
الخوارج.
ولما كان
يغلب على الظن أن في أولئك الشباب من هو مخلص يبتغي وجه الله، ولكنه شُبِّهَ له
الأمر أو غرر به؛ فأنا أريد أن أوجه إليهم نصيحة وتذكرة، يتعرفون بها خطأهم، ولعلهم
يهتدون.
فأقول: من
المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان
الإسلام، قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} (آل
عمران:97) وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل.
والذي
يحتاج إلى التفصيل؛ إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين:
الأولى :
أن قتال أعداء الله- من أي نوع كان- يتطلب تربية النفس على الخضوع لأحكام الله واتباعها؛ كما قال - صلى الله عليه
وآله وسلم -:
«المجاهد من
جاهد نفسه في طاعة الله»
والأخرى :
أن ذلك يتطلب الإعداد المادي والسلاح الحربي؛ الذي ينكأُ أعداء الله؛ فإن الله أمر
به أمير المؤمنين فقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به
عدو الله وعدوكم} (الأنفال:60). والإخلال بذلك مع الاستطاعة؛ إنما هو من صفات
المنافقين، ولذلك قال فيهم رب العالمين: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدَّةً} (التوبة:46).
وأنا اعتقد
جازماً أن هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة من المؤمنين دون
علم من حكامهم كما هو معلوم، وعليه؛ فقتال أعداء الله من جماعة ما سابق لأوانه،
كما كان الأمر في العهد المكي، ولذلك؛ لم يؤمروا به إلا في العهد المدني؛ وهذا هو
مقتضى النص الرباني: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} (البقرة:286).وعليه؛ فإني
أنصح الشباب المتحمس للجهاد، والمخلص حقاًّ لرب العباد: أن يلتفتوا لإصلاح الداخل،
وتأجيل الاهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً، وزمنا
طويلاً؛ لتحقيق ما
أسميه بـ (التصفية والتربية)؛ فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة من العلماء
الأصفياء، والمربين الأتقياء، فما أقلهم في هذا الزمان، وبخاصة في الجماعات التي
تخرج على الحكام!
وقد ينكر
بعضهم ضرورة هذه التصفية، كما هو واقع بعض الأحزاب الإسلامية، وقد يزعم بعضهم أنه
قد انتهى دورها، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو الجهاد، وأعرضوا عن الاهتمام بالتصفية والتربية، وكلهم
واهمون في ذلك، فكم من مخالفات شرعية تقع منهم جميعاً بسبب الإخلال بواجب التصفية،
وركونهم إلى التقليد والتلفيق، الذي به يستحلون كثيراً مما حرم الله! وهذا هو
المثال: الخروج على الحكام؛ ولو لم يصدر منهم الكفر البواح.
وختاماً أقول: نحن لا ننكر أن يكون هناك بعض الحكام يجب الخروج عليهم؛ كذاك الذي كان أنكر شرعية صيام رمضان، والأضاحي في عيد الأضحى، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بنص الحديث، ولكن بشرط الاستطاعة كما تقدم."الصحيحة" (7/ 2/1237 - 1243).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق